للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاءَ في نَوازِلِ الونشَريسيِّ أنَّه سُئلَ عَمَّنِ اشتَرَى دابَّةً وبها جُرحُ رُمحٍ؛ فرَضيَ بعدَما قالَ البائِعُ له: هو جُرحٌ لا يَضُرُّها؛ فتَغيَّبَ هذا المُشتَري نَحوًا مِنْ سَنةٍ ثم ظهَر الجُرحُ فادِحًا.

فأجابَ: إنْ لَم يَحدُثْ بها عندَه عَيبٌ مُفسِدٌ فهو مُخيَّرٌ بينَ أنْ يَرُدَّها أو يَتماسَكَ، ولا شَيءَ له مِنْ قيمةِ العَيبِ؛ فإنْ حدَث عندَ المُشتَري عَيبٌ بَعدُ، فإنْ شاءَ رَدَّها وقيمةَ العَيبِ الحادِثِ عندَه، وإنْ شاءَ أمسَكَها وأخَذ قيمةَ العَيبِ بينَ الصِّحَّةِ والدَّاءِ (١).

٥ - ألَّا يَكونَ البائِعُ قد اشتَرطَ البَراءةَ مِنْ العَيبِ في مَحَلِّ العَقدِ؛ فلو شرَط البَراءةَ مِنْ العَيبِ في مَحَلِّ العَقدِ فقد اختلَف العُلماءُ فيه، هل يثبُتُ له الخيارُ أو لا؟

فذهَب الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ في الأصَحِّ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ -في الجُملةِ- إلى أنَّ مَنْ اشتَرَى سِلعةً واشتَرطَ عليه البائِعُ أنَّه بَريءٌ مِنْ كلِّ عَيبٍ، صَحَّ ولا خيارَ لِلمُشتَري؛ لأنَّ شَرطَ البَراءةِ عن العَيبِ في البَيعِ صَحيحٌ؛ فإذا أبرَأه؛ فقد أسقَطَ حَقَّ نَفْسِه؛ فصَحَّ الإسقاطُ؛ فيَسقُطُ ضَرورةً؛ لِمَا رُويَ أنَّ النَّبيَّ قالَ لِرَجلَيْنِ اختَصَما في مَواريثَ دَرَستْ بينَهما: «استَهِما، وتَوَخَّيا الحَقَّ، ولِيُحلِلْ أحَدُكما صاحِبَه» (٢). فدَلَّ هذا على أنَّ البَراءةَ مِنْ المَجهولِ جائِزةٌ، ولأنَّه إسقاطُ حَقٍّ لا تَسليمَ فيه فصَحَّ مِنْ المَجهولِ، كالعَتاقِ والطَّلاقِ، ولا فَرقَ بينَ الحَيَوانِ وغيرِه، فما ثبَت في


(١) «المعيار» للونشريسي (٥/ ١٧٨).
(٢) حديث حسن: رواه أبو داود (٣٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>