الأُمورِ اليَسيرةِ التي لا يُسلَمُ مِنْ مِثلِها، وما كانَ مُعتادًا مُتكرِّرًا فلا عِوَضَ له فيما حدَث منها.
وذلك بمَنزِلةِ بَقاءِ المَبيعِ على هَيئَتِه، وكذلك الكَيُّ والرَّمَدُ والصُّداعُ والحُمَّى؛ لأنَّها أُمورٌ مُعتادةٌ يَسهُلُ البُرءُ منها بسُرعةٍ، هذا مَذهبُ ابنِ القاسِمِ، وخالَفَه أشهَبُ في الوَعكِ والحُمَّى، فقالَ: يثبُتُ الخيارُ لِلمُبتاعِ.
قالَ القاضي أبو الوَليدِ الباجيُّ ﵀: وعِندي أنَّ ابنَ القاسِمِ إنَّما أرادَ الحُمَّى الخَفيفةَ التي يُرجَى سُرعةُ بُرئِها، دونَ ما أضعَفَ منها ومنَع التَّصرُّفَ؛ فإنَّ ذلك ممَّا يَعظُمُ قَدرُه ويَندُرُ، فلا يَرُدُّ المُشتَري إلَّا أنْ يَرُدَّ قيمةَ ما نقَص مِنْ المَبيعِ، وقد رَوى عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ دينارٍ عن ابنِ كِنانةَ أنَّه إنِ اشتَرَى عَبدًا فمَرِضَ عندَه، ثم اطَّلَعَ على إباقٍ لَم يَرُدَّه حتى يَصحَّ أو يَموتَ؛ فإنْ ماتَ رجَع بما بينَ القيمَتَيْنِ، ورَوى عيسى عن ابنِ القاسِمِ عن مالِكٍ: يَرُدُّه ما لَم يَكُنْ مَرَضًا مَخوفًا؛ فعلى هذه الرِّوايةِ الأمراضُ ثَلاثةٌ: خَفيفٌ لا يثبُتُ الخيارُ به، ومُتوسِّطٌ يثبُتُ الخيارُ به، ومَرَضٌ مَخوفٌ يَمنَعُ الرَّدَّ (١).
وإذا هَوَّنَ البائِعُ مِنْ شَأنِ العَيبِ، بأنَّه يَسيرٌ، أو بأنَّه سَهلُ الإزالةِ، أو لا يُكلِّفُ إلَّا قَليلًا لِإصلاحِه، فيَرضى به المُشتَري، ثم يَظهَرُ العَكسُ فما مَصيرُ خيارِ العَيبِ بعدَ الرِّضا مِنْ المُشتَري؟
نَصَّ المالِكيَّةُ على ثُبوتِ خيارِ الرَّدِّ لِلمُشتَري عندَئِذٍ ما لَم يَحدُثْ لَدَيه عَيبٌ فيَتخيَّرُ بينَ الرَّدِّ والأرشِ.