وقالَ الحَنابِلةُ: لا فَسخَ بعَيبٍ يَسيرٍ، كصُداعٍ والحُمَّى اليَسيرةِ، وسَقطِ آياتٍ يَسيرةٍ في مُصحَفٍ لِلعادةِ؛ لأنَّه لا يَسلَمُ عادةً مِنْ ذلك، كيَسيرِ التُّرابِ والعَقدِ في البُرِّ، والغَبنِ اليَسيرِ، ومَحَلُّ ذلك ما لَم يُفضِ إلى الرِّبا؛ لِشِراءِ فِضَّةٍ بزِنَتِها دَراهِمَ ونَحوِها مَعيبةً، أو قَفيزٍ ممَّا يَجري فيه الرِّبا بمِثلِه؛ فله الرَّدُّ أو الإمساكُ مَجَّانًا، قالَ ابنُ مُفلِحٍ: وظاهِرُه أنَّه إذا كانَ عالِمًا به فلا خيارَ له بغيرِ خِلافٍ نَعلَمُه؛ لأنَّه دخَل على بَصيرةٍ، أشبَهَ ما لو صرَّح به، وفي الِانتِصارِ إذا كانَ عالِمًا به ولَم يَرضَ ثبَت له الخيارُ.
قالَ ابنُ الزاغونيِّ: لا يَنقُصُ شَيءٌ مِنْ أُجرةِ النَّاسِخِ بعَيبٍ يَسيرٍ؛ لِعُسرِ الِاحتِرازِ عنه في الأغلَبِ، وإلَّا بأنْ لَم يَكُنِ العَيبُ يَسيرًا، بَلْ كانَ كَثيرًا، فلا أُجرةَ لِمَا وَضَعَه النَّاسِخُ في غيرِ مَكانِه بأنْ قدَّمه على مَوضِعِه أو أخَّرَه عنه؛ لعَدمِ الإذْنِ فيه، والعَقدِ عليه، وعليه نَسخُه في مَكانِه؛ لأنَّه التَزَمَه بالعَقدِ، ويَلزَمُه -أي: النَّاسِخَ- قيمةُ ما أتلَفَه بذلك التَّقديمِ أو التَّأخيرِ مِنْ الكاغَدِ؛ لِتَعدِّيه، وإنْ ظهَر في المَأجورِ عَيبٌ تَنْقُصُ به أُجرَتُه عادةً فلا أرشَ له -أي: لِلمُستَأجِرِ- إنِ اختارَ الإمساكَ، وعليه الأُجرةُ كامِلةً (١).
وقالَ المالِكيَّةُ: إذا كانَ النَّقصُ يَسيرًا، كذَهابِ الظُّفرِ والأُنمُلةِ في وَخشِ الرَّقيقِ، فإنَّ ذلك ليسَ ممَّا يُثبِتُ الخيارَ لِلمُبتاعِ، وإنَّما له الرَّدُّ ولا شَيءَ عليه مِنْ النَّقصِ أو الإمساكِ، ولا شَيءَ له مِنْ قيمةِ العَيبِ، ووَجْهُ ذلك أنَّ البائِعَ مُتَّهمٌ بالتَّدليسِ، ولِذلك وجَب الرَّدُّ عليه بالعَيبِ بما كانَ مِنْ
(١) «المبدع» (٤/ ٨٨)، و «الفروع» (٤/ ٧٨)، و «الإنصاف» (٤/ ٤٠٩)، و «كشاف القناع» (٣/ ٢٥٤).