ﷺ:«يَكفي منه الوُضوءُ»؛ فإنَّما أوجَبَ هذا الحَديثُ الوُضوءَ من المَذيِ، وهو نادِرٌ، فكذلك مِنْ كلِّ نادِرٍ، ولأنَّه خارِجٌ من مَخرجِ الحَدثِ المُعتادِ فوجَبَ أنْ يَنقُضَ الوُضوءَ كالخارِجِ المُعتادِ.
فأمَّا قَولُه:«لا وُضوءَ إلا مِنْ صَوتٍ أو رِيحٍ» فهو أنَّه لا ظاهِرَ له يَتعلَّقُ الحُكمُ به، ثم فيه دَليلٌ على وُجوبِ الوُضوءِ من الصَّوتِ والرِّيحِ، وإنْ كانَ نادِرًا كما يُوجِبُه، وإنْ كانَ مُعتادًا، وأمَّا خَبَرُ المُستحاضةِ فلا دَليلَ فيه؛ لأنَّ المُستحاضةَ مُحدِثةٌ، وإنَّما أجزَأتْها الصَّلاةُ للضَّرورةِ، وأمَّا المُعتادُ إذا خرَجَ من غيرِ المَخرجِ المُعتادِ فليسَ المَعنى في سُقوطِ الوُضوءِ منه أنَّه نادِرٌ، ولكنَّ المَعنى فيه أنَّه خارِجٌ من غيرِ مَخرجٍ مُعتادٍ (١).
إلا أنَّ الشافِعيةَ نَصُّوا في الصَّحيحِ من المَذهبِ عندَهم على أنَّ خُروجَ المَنيِّ يُوجبُ الغُسلَ ولا يَنقضُ الوُضوءَ، كانَ أمْنَى بمُجرَّدِ نَظرٍ أو احتِلامٍ، مُمكِّنًا مَقعَدَه، فلا يَنقضُ الوُضوءَ؛ لأنَّه أوجَبَ أعظَمَ الأمرَينِ، وهو الغُسلُ بخُصوصِه، أي: بخُصوصِ كَونِه مَنيًّا، فلا يُوجبُ أدوَنَهما، وهو الوُضوءُ بعُمومِه، أي: بعُمومِ كَونِه خارِجًا كزِنا المُحصَنِ لمَا أوجَبَ أعظَمَ الحَدَّين لكَونِه زِنا المُحصَنِ، فلا يُوجبُ أدوَنَهما لكَونِه زِنًا، وإنَّما أوجَبَه الحَيضُ والنِّفاسُ مع إِيجابِهما الغُسلَ؛ لأنَّهما يَمنَعانِ صِحةَ الوُضوءِ فلا يُجامِعانِه بخِلافِ خُروجِ المَنيِّ يُصبحُ معه الوُضوءُ في صُورةِ سَلسِ المَنيِّ فيُجامِعُه.