للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ الماوَرديُّ : اعلَمْ أنَّ الذي يُوجبُ الوُضوءَ أحَدُ خَمسةِ أقسامٍ: فأوَّلُها ما خرَجَ من السَّبيلَينِ، وهُما القُبلُ والدُّبرُ، والخارِجُ منهما ضَربانِ: مُعتادٌ ونادِرٌ:

فالمُعتادُ الغائِطُ والبَولُ والصَّوتُ والرِّيحُ ودَمُ الحَيضِ، وفيها الوُضوءُ، وِفاقًا لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [المائدة: ٦].

والنادِرُ المَذيُ والوَديُ، والدُّودُ والحَصى وسَلسُ البَولِ، ودَمُ المُستحاضةِ، وقد اختَلَفوا في وُجوبِ الوُضوءِ منه، فمَذهبُ الشافِعيِّ وأبي حَنيفةَ وُجوبُ الوُضوءِ منه كالمُعتادِ.

وقالَ مالِكٌ: لا وُضوءَ منه استِدلالًا بقَولِه : «لا وُضوءَ إلا مِنْ صَوتٍ أو رِيحٍ» يَعني المُعتادَ كالصَّوتِ والرِّيحِ فدَلَّ على انتِفائِه من النادِرِ، وقالَ النَّبيُّ للمُستَحاضةِ: «صلِّي ولو قطَرَ الدَّمُ على الحَصيرِ قَطرًا»، فلم يُنقَضْ وُضوؤُها بدَمِ الاستِحاضةِ لكَونِه نادِرًا، قالَ: ولأنَّ الخارجَ المُعتادَ إذا خرَجَ من غيرِ مَخرجِ الحَدثِ المُعتادِ لم يَجبِ الوُضوءُ؛ لكَونِه نادِرًا وجَبَ إذا خرَجَ غيرُ المُعتادِ من مَخرجٍ مُعتادٍ ألَّا يُوجبَ الوُضوءَ لكَونِه نادِرًا.

ودَليلُنا: قَولُه تَعالى: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ [المائدة: ٦]، وهو مَقصودٌ للنادِرِ والمُعتادِ، ورَوى عَباسُ بنُ أنَسٍ قالَ: سمِعتُ علِيًّا بالكُوفةِ يَقولُ: قُلتُ لعَمارٍ: سَلْ رَسولَ اللهِ عن المَذيِ يُصيبُ أحدَنا إذا دَنا من أهلِه؛ فإنَّ ابنَتَه تَحتي وأنا أستَحْيِي منه، فسألَه عَمارٌ، فقالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>