للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو تَقريبًا واتِّساعًا، وهذا لا وَجْهَ له في الأحكامِ، قالوا: فهذا يَدلُّ على أنَّه أرادَ بقَولِه: «البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَم يَتفَرَّقا، والمُتَبايِعانِ بالخِيار ما لَم يَتفَرَّقا»، المُتساوِمَيْنِ، وعن أبي يُوسفَ القاضي نَصًّا أنَّه قالَ: هما المُتساوِمانِ، قالَ: فإذا قالَ: بِعتُكَ بعَشَرةٍ فلِلمُشتَرِي الخِيارُ في القَبولِ في المَجلِسِ قبلَ الِافتِراقِ، ولِلبائِعِ خِيارُ الرُّجوعِ في قَولِه قبلَ قَبولِ المُشتَرِي ورُويَ عن عيسى بنِ أبانَ نَحوُه أيضًا.

وقالَ مُحمَّدُ بنُ الحَسَنِ: مَعنَى قَولِه في الحَديثِ: «البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَم يَتفَرَّقا» أنَّ البائِعَ إذا قالَ: قد بِعتُكَ فله أنْ يَرجِعَ ما لَم يَقُلِ المُشتَرِي: قد قَبِلتُ، وهو قَولُ أبي حَنيفةَ، وقد رُويَ عن أبي حَنيفةَ أنَّه كانَ يَرُدُّ هذا الخَبَرَ باعتِبارِه إيَّاه على أُصولِه كسائِرِ فِعلِه في أخبارِ الآحادِ، فكانَ يَعرِضُها على الأُصولِ المُجتَمَعِ عليها عندَه، ويَجتهِدُ في قَبولِها أو رَدِّها؛ فهذا أصْلُه في أخبارِ الآحادِ، ورُويَ عنه أنَّه كانَ يَقولُ في رَدِّ هذا الحَديثِ: أرَأيتَ إنْ كانا في سَفينةٍ؟ أرَأيتَ إنْ كانا في سِجنٍ، أو قَيدٍ؟ كيفَ يَفتَرِقانِ؟ إذَنْ لا يَصحُّ بينَ هَؤُلاءِ بَيعٌ أبَدًا، وهذا ممَّا عِيبَ به أبو حَنيفةَ، وهو أكبَرُ عُيوبِه وأشَدُّ ذُنوبِه عندَ أهلِ الحَديثِ النَّاقِلينَ لِمَثالِبِه باعتِراضِه الآثارَ الصَّحيحةَ، ورَدِّه إيَّاها برَأْيِه … وقالَ مالِكٌ: لا خِيارَ لِلمُتبايِعَيْنِ إذا عُقِدَ البَيعُ بكَلامٍ، وإنْ لَم يَفتَرِقا، وذكَر ابن خُوَيْزِمَنْدَادَ عن مالِكٍ في مَعنَى أنَّ البائِعَيْنِ بالخِيارِ ما لَم يَتفَرَّقا، نصَّ ما ذَكَرْناه عن مُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ وأبي حَنيفةَ (١)


(١) «التمهيد» (١٤/ ١١، ١٤)، ويُنظر: و «الاستذكار» (٦/ ٤٧٦، ٤٧٩)، و «الموطأ» (٣/ ١٩٤)، و «المدونة الكبرى» (١٠/ ١٨٨)، و «الفروق» (٣/ ٤٤٥، ٤٥٢)، و «شرح =

<<  <  ج: ص:  >  >>