واحتَجُّوا أيضًا باللُّقَطةِ، رَواه عَمرُو بنُ شُعَيبٍ عن أبيه عن جَدِّه عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ:«البَيِّعانِ بالخِيارِ ما لَم يَتفَرَّقا، ولا يَحِلُّ له أنْ يُفارِقَ صاحِبَه خَشيةَ أنْ يَستَقيلَه»(١).
قالوا: فهذا يَدلُّ على أنَّه قد تَمَّ البَيعُ بينَهما قبلَ الِافتِراقِ؛ لأنَّ الإقالةَ لا تَصحُّ إلَّا فيما قد تَمَّ مِنْ البُيوعِ.
وقالوا: قد يَكونُ التَّفرُّقُ بالكَلامِ كعَقدِ النِّكاحِ وشِبهِه، وكوُقوعِ الطَّلاقِ الذي قد سَمَّاه اللَّهُ ﷾ فِراقًا، والتَّفرُّقُ والكَلامُ في لِسانِ العَرَبِ مَعروفٌ أيضًا، كما هو بالأبدانِ، وتَعَلَّلوا بقَولِ اللَّهِ ﷾: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] وقَولِه ﷾: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾ [آل عمران: ١٠٥]، ويَقولُ رَسولُ اللَّهِ ﷺ:«تَفتَرِقُ أُمَّتي … »، لَم يَرِدْ بأبدانِهم.
قالوا: ولمَّا كانَ الِاجتِماعُ بالأبدانِ لا يُؤثِّرُ في البَيعِ، كذلك الِافتِراقُ لا يُؤثِّرُ في البَيعِ.
وقالوا: إنَّما أرادَ بقَولِه: «المُتبايِعانِ بالخِيارِ»، المُتساوِمَيْنِ، قالَ: ولا يُقالُ لَهما: (مُتبايِعانِ) إلَّا ما داما في حالِ فِعلِ التَّبايُعِ، فإذا وجَب البَيعُ لَم يُسَمَّيا مُتبايِعَيْنِ، وإنَّما يُقالُ: كانا مُتبايِعَيْنِ مثلَ ذلك المُصَلِّي والآكِلِ والشارِبِ والصائِمِ، فإذا انقَضى فِعلُه ذلك قيلَ: كانَ صائِمًا، وكانَ آكِلًا ومُصلِّيًا وشارِبًا، ولَم يُقَلْ: إنَّه صائِمٌ أو مُصَلٍّ أو آكِلٌ أو شارِبٌ إلَّا مَجازًا،
(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه أبو داود (٣٤٥٦)، والترمذي (١٢٤٧)، والنسائي (٤٤٨٣)، وأحمد (٦٧٢١).