الثَّمنَ مِنهم، ولِهذا قالَ النَّبيُّ ﷺ:«أيُّما قَسْمٍ قُسِمَ في الجاهِليةِ فهو على ما قُسِمَ، وأيُّما قَسْمٍ أدرَكَه الإسلامُ فهو على قَسْمِ الإسلامِ»، بَلْ أكثَرُ العُلماءِ كمالِكٍ وأحمدَ وأبي حَنيفةَ يَقولونَ بما دَلَّتْ عليه سُنَّةُ رَسولِ اللَّهِ ﷺ وسُنَّةِ خُلَفائِه الرَّاشِدِينَ، وهو أنَّ الكُفَّارَ المُحارِبينَ إذا استَولَوْا على أموالِ المُسلِمينَ بالمُحارَبةِ، ثم أسلَموا بعدَ ذلك أو عاهَدوا فإنَّها تُقَرُّ بأيديهم كما أقَرَّ النَّبيُّ ﷺ بيَدِ المُشرِكينَ ما كانوا أخَذوه مِنْ أموالِ المُسلِمينَ حالَ الكُفرِ؛ لأنَّهم لَم يَعتَقِدوا تَحريمَ ذلك، وقد أسلَموا، والإسلامُ يَجُبُّ ما قبلَه، فإنَّما غَفَرَ لَهم بالإسلامِ ما تَقدَّمَ مِنْ الكُفرِ والأعمالِ صاروا مُكتَسِبينَ لَها بما لا يَأثَمونَ به.
وإذا كانَ الأمْرُ كذلك فالمُسلِمُ المُتأوِّلُ الذي يَعتقِدُ جَوازَ ما فعَله مِنْ المُبايَعاتِ والمُؤاجَراتِ والمُعامَلاتِ التي يُفتِي فيها بَعضُ العُلماءِ إذا قبَض بها أموالًا وتَبيَّن لِأصحابِها فيما بَعدُ أنَّ القَولَ الصَّحيحَ تَحريمُ ذلك، لَم يَحرُمْ عليهم ما قَبَضوه بالتَّأويلِ، كما لَم يَحرُمْ على الكُفَّارِ بعدَ الإسلامِ ما اكتَسَبوه في حالِ الكُفرِ بالتَّأويلِ، ويَجوزُ لِغيرِهم مِنْ المُسلِمينَ الذين يَعتقِدونَ تَحريمَ ذلك أنْ يُعامِلوهم فيه كما يَجوزُ لِلمُسلِمِ أنْ يُعامِلَ الذِّمِّيَّ فيما في يَدِه مِنْ ثَمَنِ الخَمرِ وغيرِه، لكنْ عليهم إذا سَمِعوا العِلمَ أنْ يَتوبوا مِنْ هذه المُعامَلاتِ الرِّبَويةِ، ولا يَصلُحَ أنْ يُقلِّدَ فيها أحَدًا مِمَّنْ يُفتي بالجَوازِ، تَقليدًا لِبَعضِ العُلماءِ؛ فإنَّ تَحريمَ هذه المُعامَلاتِ ثابِتٌ بالنُّصوصِ والآثارِ، ولَم يَختَلِفِ الصَّحابةُ في تَحريمِها، وأُصولُ الشَّريعةِ شاهِدةٌ بتَحريمِها، والمَفاسِدُ التي لِأجْلِها حرَّم اللَّهُ الرِّبا مَوجودةٌ في هذه المُعامَلاتِ مع زِيادةِ