للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكرٍ وخِداعٍ وتَعَبٍ وعَذابٍ؛ فإنَّهم يُكلِّفونَ مِنْ الرُّؤيةِ والصِّفةِ والقَبضِ وغيرِ ذلك مِنْ أُمورٍ يُحتاجُ إليها في البَيعِ المَقصودِ، وهذا البَيعُ ليسَ مَقصودًا لَهم، وإنَّما المَقصودُ أخْذُ دَراهِمَ بدَراهِمَ، فيَطولُ عليهم الطَّريقُ التي يُؤمَرونَ بها، فيَحصُلُ لَهم الرِّبا؛ فهم مِنْ أهلِ الرِّبا المُعذَّبينَ في الدُّنيا قبلَ الآخِرةِ، وقُلوبُهم تَشهَدُ بأنَّ هذا الذي يَفعَلونَه مَكرٌ وخِداعٌ وتَلبيسٌ، ولِهَذا قالَ أيُّوبُ السَّختِيانيُّ: يُخادِعونَ اللَّهَ كما يُخادِعونَ الصِّبيانَ، فلو أتَوُا الأمْرَ على وَجْهِه لَكانَ أهوَنَ علَيَّ، والكَلامُ على هذا مَبسوطٌ في غيرِ هذا المَوضِعِ وقد صَنَّفتُ كِتابًا كبيرًا في هذا، واللَّهُ أعلَمُ (١).

وهُناكَ صُوَرٌ أُخرى لِبَيعِ العِينةِ، ذكَرها الفُقهاءُ، وأكثَرُها عندَ المالِكيَّةِ:

قالَ المالِكيَّةُ: العِينةُ هي: بَيعُ مَنْ طُلِبتْ مِنه سِلعةٌ لِلشِّراءِ، وليسَتْ عندَه لِطالِبِها -المُشتَرِي- بعدَ شِرائِها لِنَفْسِه مِنْ آخَرَ.

حُكمُها: جائِزةٌ، بمَعنًى خِلافِ الأُولَى؛ فأهلُ العِينةِ قَومٌ نَصَّبوا أنْفُسَهم لِطَلَبِ شِراءِ السِّلَعِ مِنهم، وليسَتْ عندَهم؛ فيَذهَبونَ إلى التُّجَّارِ لِيَشتَروها بثَمَنٍ، لِيَبيعوها لِلطَّالِبِ، وسَواءٌ باعوها لِطالِبِها بثَمَنٍ حالٍّ، أو مُؤجَّلٍ، أو بَعضُه حالٌّ وبَعضُه مُؤجَّلٌ.

أمَّا إذا قالَ الطَّالِبُ لِلسِّلعةِ: اشتَرِها بعَشَرةٍ نَقدًا، وأنا آخُذُها مِنْكَ باثنَيْ عَشَر لِأجَلٍ، فيُمنَعُ؛ لِمَا فيه مِنْ تُهمةِ سَلَفٍ جَرَّ نَفعًا؛ لأنَّه كأنَّه سَلَّفَه عَشَرةً ثَمَنَ السِّلعةِ يَأخُذُ عنها بعدَ الأجَلِ اثنَيْ عشَرَ.


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٩/ ٤٣٩، ٤٤٥)، ويُنظر: «إعلام الموقعين» (٣/ ١٦٢، ١٧٠)، و «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (٩/ ٢٤١، ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>