للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَضُوا بذلك أو لا؛ لأنَّ النَّبيَّ نهَى عنه، والنَّهيُ يَقتَضي فَسادَ المَنهيِّ عنه، ولأنَّ الضَّرَرَ لا يُمكِنُ تَدارُكُه؛ لأنَّه لِآدَميٍّ غيرِ مُعيَّنٍ.

وعن الإمامِ أحمدَ: أنَّه مَكروهٌ، وليسَ بحَرامٍ.

وعنه: أنَّه جائِزٌ، وأنَّ النَّهيَ اختَصَّ بأوَّلِ الإسلامِ؛ لِمَا كانَ عليهم مِنْ الضِّيقِ في ذلك.

لكنْ قَيَّدَ العُلماءُ الحُرمةَ بشُروطٍ تَختلِفُ مِنْ مَذهبٍ لِمَذهبٍ:

فقالَ الحَنفيَّةُ: وهو مَكروهٌ تَحريمًا، إذا كانَ أهلُ البَلَدِ في قَحطٍ وعَوَزٍ، أي: في حاجةٍ، وهو أنْ يَبيعَ مِنْ أهلِ البَلَدِ طَمَعًا في الثَّمنِ الغالي؛ لِمَا فيه مِنْ الإضرارِ بهم، أمَّا إذا لَم يَكُنْ كذلك فلا بَأْسَ به؛ لِانعِدامِ الضَّرَرِ.

وقيلَ: هو أنْ يَمنَعَ السِّمسارُ الحاضِرُ القَرَويَّ مِنْ البَيعِ، ويَقولَ له: لا تَبِعْ أنتَ، أنا أعلَمُ بذلك مِنْكَ. فيَتوكَّلُ له ويَبيعُ ويُغالي، ولو ترَكه يَبيعُ بنَفْسِه لَأرخَصَ على النَّاسِ.

وقالَ المالِكيَّةُ: يَحرُمُ بَيعُ حاضِرٍ سِلَعًا، ولو لِتِجارةٍ لِعَموديٍّ قَدِمَ بها الحاضِرةَ، ولا يُعرَفُ ثَمَنُها بالحاضِرةِ، وكانَ البَيعُ لِحاضِرٍ، فلا يَجوزُ؛ لِلنَّهيِ عن ذلك بخِلافِ ما لو باعَ الحاضِرُ لِبَدَويٍّ مِثلِه؛ فإنَّه يَجوزُ؛ لأنَّ البَدَويَّ لا يَجهَلُ أسعارَ هذه السِّلَعِ؛ فلا يَأخُذُها إلَّا بأسعارِها، سَواءٌ اشتَراها مِنْ حَضَريٍّ أو مِنْ بَدَويٍّ، فبَيعُ الحَضَريِّ له بمَنزِلةِ بَيعِ بَدَويٍّ لِبَدَويٍّ، أو كانَ العَموديُّ يَعرِفُ ثَمَنَها، فيَجوزُ لِلحاضِرِ أنْ يَتوَلَّى بَيعَها له؛ وذلك لأنَّ النَّهيَ لِأجْلِ أنْ يَبيعوا لِلنَّاسِ برُخصٍ، وهذه العِلَّةُ إنَّما تُوجَدُ إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>