للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهلِه في مَحَلِّه، وأنَّ المانِعَ المُثيرَ لِلنَّهيِ -وهو غَرَرُ الِانفِساخِ بالهَلاكِ- مُنتَفٍ؛ فإنَّ هَلاكَ العَقارِ نادِرٌ، والنَّادِرُ لا عِبرةَ به، ولا يُبنَى الفِقهُ باعتِبارِه، فلا يُمنَعُ الجَوازُ، وهذا لأنَّه لا يُتصوَّرُ هَلاكُه إلَّا إذا صارَ بَحرًا ونَحوَه، حتى لو كانَ على شَطِّ البَحرِ، أو كانَ المَبيعُ عُلُوًّا لا يَجوزُ بَيعُه قبلَ القَبضِ (١).

وقالَ المالِكيَّةُ: كلُّ مَبيعٍ مُتعيَّنٌ لا يَتعلَّقُ به حَقُّ تَوفيةِ كَيلٍ ووَزنٍ فبَيعُه قبلَ قَبضِه جائِزٌ مِنْ أيِّ الأصنافِ كانَ مِنْ العُروضِ أو مِنْ الحَيَوانِ والمَكيلِ والمَوزونِ سِوَى طَعامِ المُعاوَضةِ؛ فإنِ امتَنَعَ المُبتاعُ مِنْ القَبضِ مع قُدرَتِه على القَبضِ فهو مِنْ ضَمانِه، وإنْ تلِف قبلَ ذلك فهو مِنْ ضَمانِ المُشتَرِي؛ لقولِ النَّبيِّ : «مَنِ ابتاعَ طَعامًا فلا يَبِعْه حتى يَقبِضَهُ» (٢)؛ فالنَّبيُّ نهَى عن بَيعِ الطَّعامِ قبلَ قَبضِه خاصَّةً؛ فدَلَّ على أنَّ غيرَ الطَّعامِ ليسَ كالطَّعامِ، ولو لَم يَكُنْ كذلك ما كانَ في تَخصيصِ الطَّعامِ فائِدةٌ.

وقد أجمَعوا أنَّ مَنْ اشتَرَى جاريةً وأعتَقَها في تلك الحالةِ قبلَ قَبضِها، أنَّ عِتقَه جائِزٌ، وكذلك يَجوزُ له بَيعُها قبلَ قَبضِها (٣).

وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: إنَّ كُلَّ ما بِيعَ على الكَيلِ أو الوَزنِ أو العَدِّ


(١) ينظر: «المبسوط» (١٣/ ٨)، و «بدائع الصنائع» (٥/ ٢٣٨)، و «شرح مشكل الآثار» (٤/ ٣٩، ٤٠)، و «شرح فتح القدير» (٦/ ٥١٠، ٥١٣)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ١٠٩، ١١١)، و «اللباب» (١/ ٣٩٥، ٣٩٦)، و «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٤٢).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تقدم.
(٣) «التمهيد» (١٣/ ٣٣٢)، و «بداية المجتهد» (٢/ ١٠٨)، و «حاشية الدسوقي» (٣/ ٢٤٣، ٢٥٢)، و «المجموع» (٩/ ٢١٥، ٢٥٨)، و «شرح مسلم» (١٠/ ١٦٩، ١٧٠)، و «طرح التثريب» (٦/ ٩٧، ١٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>