للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اختلَف العُلماءُ في غيرِ الطَّعامِ، هل يَجوزُ بَيعُه قبلَ قَبضِه أو لا؟

فذهَب الحَنفيَّةُ والشافِعيَّةُ وأحمدُ في رِوايةٍ إلى أنَّه لا يَصحُّ بَيعُ شَيءٍ مُطلَقًا، سَواءٌ كانَ مَنقولًا، أو غيرَ مَنقولٍ، كالعَقارِ قبلَ قَبضِه، كالطَّعامِ -إلَّا أبا حَنيفةَ وأبا يُوسفَ قالا: يَجوزُ بَيعُ الدُّورِ والأرضِ قبلَ قَبضِها-، وكذا لا يَجوزُ التَّصرُّفُ فيه برَهنٍ ولا هِبةٍ ولا صَدَقةٍ ولا إجارةٍ عندَهم جَميعًا، إلَّا عندَ مُحمَّدِ بنِ الحَسَنِ؛ فإنَّه يُجيزُ الهِبةَ والصَّدَقةَ والرَّهنَ به قبلَ القَبضِ.

فإنْ تلِف المَبيعُ قبلَ القَبضِ فهو مِنْ ضَمانِ البائِعِ، ولا يَجوزُ لِلمُشتَرِي التَّصرُّفُ فيه قبلَ القَبضِ.

واحتَجُّوا على ذلك بقَولِه : «مَنِ ابتاعَ طَعامًا فلا يَبِعْه حتى يَستَوفيَه»، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ : وأحسَبُ كُلَّ شَيءٍ مثلَه (١).

فقالوا: فهذا ابنُ عَبَّاسٍ لَم يَمنَعْه قَصدُ النَّبيِّ بالنَّهيِ إلى الطَّعامِ أنْ يُدخِلَ في ذلك النَّهيِ غيرَ الطَّعامِ.

وعن عَبدِ اللَّهِ بنِ عِصمةَ أنَّ حَكيمَ بنَ حِزامٍ قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي أبيعُ بُيوعًا كَثيرةً، فما يَحِلُّ لي مِنها ممَّا يَحرُمُ عَلَيَّ؟ فقالَ : «لا تَبيعَنَّ ما لَم تَقبِضْ» (٢).

وعن ابنِ عمرَ قالَ: ابتَعتُ زَيتًا في السُّوقِ، فلمَّا استَوجَبتُه


(١) رواه مسلم (١٥٢٥).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام أحمد في «المسند» (١٥٣٥١)، والطبراني في «الكبير» (٣١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>