للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجوَدُ ما عُلِّلَ به النَّهيُ؛ لأنَّ الصَّحابةَ أعرَفُ بمَقاصِدِ الرَّسولِ ، ولا شَكَّ أنَّ المَنعَ مِنْ كلِّ تَصرُّفٍ قبلَ القَبضِ مِنْ غيرِ فَرقٍ بينَ ما كانَ بعِوَضٍ، وما لا عِوَضَ فيه لا دَليلَ عليه إلَّا الإلحاقَ لِسائِرِ التَّصرُّفاتِ بالبَيعِ، وقد عَرَفتَ بُطلانَ إلحاقِ ما لا عِوَضَ فيه بما فيه عِوَضٌ، ومُجرَّدُ صِدقِ اسمِ التَّصرُّفِ على الجَميعِ لا يَجعَلُه عارِفٌ بعِلمِ الأُصولِ مُسوِّغًا لِلقياسِ (١).

وقالَ العينيُّ : قَولُه -أي: في حَديثِ ابنِ عَبَّاسٍ السابِقِ-: قُلتُ لِابنِ عَبَّاسٍ، القائِلُ هو طاووسٌ. قَولُه: كيف ذاكَ، يَعني: كيفَ حالُ هذا البَيعِ؟ حتى نهَى عنه. قَولُه: قال: ذاك، أي: قالَ ابنُ عَبَّاسٍ: يَكونُ حالُ ذاكَ البَيعِ دَراهِمَ بدَراهِمَ والطَّعامِ غائِبًا، وهو مَعنَى: قَولِه: والطَّعامُ مُرجأُ، أي: مُؤخَّرٌ مُؤجَّلٌ، مَعناهُ: أنْ يَشتَريَ مِنْ إنسانٍ طَعامًا بدِرهَمٍ إلى أجَلٍ، ثم يَبيعَه مِنه، أو مِنْ غيرِه قبلَ أنْ يَقبِضَه بدِرهَمَيْنِ مِثْلًا؛ فلا يَجوزُ؛ لأنَّه في التَّقديرِ بَيعُ دِرهَمٍ بدِرهَمِ والطَّعامِ غائِبًا؛ فكَأنَّه قد باعَه دِرهَمَه الذي اشتَرَى به الطَّعامَ بدِرهَمَيْنِ؛ فهو رِبًا، لأنَّه بَيعُ غائِبٍ بناجِزٍ، فلا يَصحُّ، وقالَ ابنُ التِّينِ: قَولُ ابنِ عَبَّاسٍ: دَراهِمَ بدَراهِمَ، تَأوَّلَه عُلماءُ السَّلَفِ، وهو أنْ يَشتَريَ مِنه طَعامًا بمِئةٍ إلى أجَلٍ، ويَبيعَه مِنه قبلَ قَبضِه بمِئةٍ وعِشرينَ، وهو غيرُ جائِزٍ؛ لأنَّه في التَّقديرِ بَيعُ دَراهِمَ بدَراهِمَ والطَّعامِ مُؤجَّلًا غائِبًا. وقيلَ: مَعناه أنْ يَبيعَه مِنْ آخَرَ ويُحيلَه به (٢).


(١) «نيل الأوطار» (٥/ ٢٥٩).
(٢) «عمدة القاري» (١١/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>