ولأنَّه لَم يُجبِرِ البائِعَ على الحَطِّ عن المُشتَرِي حتى بلَغ البائِعُ ذلك، فتَطوَّعَ بحَطِّه عنه، ولو كانَ واجِبًا لَأجبَرَه عليه، ولأنَّ التَّخليةَ كافيةٌ في جَوازِ التَّصرُّفِ، فكانَتْ كافيةً في جَوازِ نَقلِ الضَّمانِ، قياسًا على العَقارِ؛ لأنَّ التَّخليةَ في هذا المَبيعِ هي القَبضُ، وضَمانُ المَبيعاتِ بعدَ القَبضِ مِنْ المُشتَرِي؛ ولأنَّه لا يَضمَنُه إذا أتلَفَه آدَميٌّ كذلك لا يَضمَنُه بإتلافِ غيرِه.
وعَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ ﵁ قالَ: أُصيبَ رَجُلٌ في عَهدِ رَسولِ اللَّهِ ﷺ في ثِمارٍ ابتاعَها، فكَثُرَ دَيْنُه؛ فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ:«تَصَدَّقوا عليه». فتَصدَّقَ النَّاسُ عليه، فلَم يَبلُغْ ذلك وَفاءَ دَيْنِه، فقالَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ لِغُرَمائِه:«خُذوا ما وَجَدتُم، وليسَ لَكم إلَّا ذلك»(١)، فلَم يَحكُمِ النَّبيُّ ﷺ بوَضعِ الجائِحةِ، فلَو كانَتْ تُوضَعُ لَم يَفتقِرْ إلى ذلك.
وأمَّا الأمرُ بوَضعِ الجَوائِحِ فهو على الِاستِحبابِ، أو فيما بِيعَ قبلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ.
لأنَّه أمرٌ حدَث بعدَ استِقرارِ مِلكِ المُشتَرِي عليها؛ فلو أرادَ أنْ يَبيعَها أو يَهَبَها لَصَحَّ ذلك مِنه فيها، وقد نهَى رَسولُ اللَّهِ ﷺ عن بَيعِ الثَّمرةِ قبلَ بُدُوِّ صَلاحِها؛ فلو كانَتِ الجائِحةُ بعدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ مِنْ مالِ البائِعِ لَم يَكُنْ لِهذا النَّهيِ فائِدةٌ.