للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باعَ ثَمَرًا فأصابَتْه جائِحةٌ فلا يَأخُذْ مِنْ مالِ أخيه شَيئًا، عَلَامَ يَأخُذُ أحَدُكم مالَ أخيه المُسلِمِ؟» (١)، وهذا صَريحٌ في الحُكمِ، فلا يُعدَلُ عنه.

ولأنَّه مَبيعٌ بَقيَ على البائِعِ فيه حَقُّ تَوفيةٍ، بدَليلٍ ما عليه مِنْ سَقيِه إلى أنْ يَكمُلَ، فكَأنَّها تَلِفتْ قبلَ القَبضِ؛ فكانَتْ مِنْ ضَمانِ البائِعِ، أصْلُه سائِرُ المَبيعاتِ التي بَقيَ لَها حَقُّ تَوفيةٍ.

والفَرقُ بينَ هذا المَبيعِ وبينَ سائِرِ البُيوعِ أنَّ هذا بَيعٌ وقَع في الشَّرعِ، والمَبيعُ لَم يَكمُلْ بَعدُ؛ فكَأنَّه مُستَثنًى مِنْ النَّهيِ عن بَيعِ ما لَم يُخلَقْ؛ فوجَب أنْ يَكونَ في ضَمانِه مُخالِفًا لِسائِرِ المَبيعاتِ.

القَولُ الثَّاني: أنَّ الجائِحةَ تَكونُ مِنْ ضَمانِ المُشتَرِي، وهو قَولُ الحَنفيَّةِ والشافِعيَّةِ في المَذهبِ؛ لِمَا رَوَتْ عَمْرةُ بنتُ عَبدِ الرَّحمَنِ قالَتْ: سَمِعتُ عائِشةَ تَقولُ: سَمِعَ رَسولُ اللَّهِ صَوتَ خُصومٍ بالبابِ عاليةٍ أصواتُهما، وإذا أحَدُهما يَستَوضِعُ الآخَرَ ويَستَرفِقُه في شَيءٍ، وهو يَقولُ: واللَّهِ لا أفعَلُ؛ فخرَج عليهما رَسولُ اللَّهِ فقالَ: «أينَ المُتَألِّي على اللَّهِ لا يَفعَلُ المَعروفَ؟»، فقالَ: أنا يا رَسولَ اللَّهِ، ولَه أيُّ ذلك أحَبَّ (٢)، فالنَّبيُّ أخرَجَ الحَطَّ عن المُشتَرِي مَخرَجَ الخَيرِ والفَضلِ، لا مَخرَجَ الوُجوبِ والحَتمِ.


(١) أخرجه مسلم (١١٩٠/ ٥٥٤) في: باب وضع الجوائح، من كتاب المساقاة، وأبو داود (٣٤٧٠) في باب وضع الجائحة من كتاب البيوع.
(٢) أخرجه البخاري (٢٧٠٥) باب: هل يشير الإمام بالصلح، ومسلم (١١٩٢/ ١٥٥٧) باب استحباب الوضع من الدين.

<<  <  ج: ص:  >  >>