للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ القيِّمِ -بعدَ أنْ ذكَر هذه الأحاديثَ-: والجَوابُ أنَّ وَضعَ الجَوائِحِ لا يُخالِفُ شَيئًا مِنْ الأُصولِ الصَّحيحةِ، بَلْ هو مُقتَضى أُصولِ الشَّريعةِ، ونحن بحَمدِ اللَّهِ نُبيِّنُ هذا بمَقامَيْنِ:

أمَّا الأوَّلُ: فحَديثُ وَضعِ الجَوائِحِ لا يُخالِفُ كِتابًا ولا سُنَّةً ولا إجماعًا، وهو أصْلٌ بنَفْسِه، فيَجِبُ قَبولُه، وأمَّا ما ذَكَرتُم مِنْ القياسِ فيَكفي في فسادِه شَهادةُ النَّصِّ له بالإهدارِ، فكيفَ وهو فاسِدٌ في نَفًسِه؟!

وهذا يَتبيَّنُ بالمَقامِ الثَّاني: وهو أنَّ وَضعَ الجَوائِحِ كما هو مُوافِقٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحيحةِ الصَّريحةِ هو مُقتَضى القياسِ الصَّحيحِ، فإنَّ المُشتَريَ لَم يَتسلَّمِ الثَّمرةَ، ولَم يَقبِضْها القَبضَ التَّامَّ الذي يُوجِبُ نَقلَ الضَّمانِ إليه؛ فإنَّ قَبضَ كلِّ شَيءٍ بحَسَبِه، وإنَّ قَبضَ الثِّمارِ إنَّما يَكونُ عندَ كَمالِ إدراكِها شَيئًا فشَيئًا، فهو كقَبضِ المَنافِعِ في الإجارةِ، وتَسليمِ الشَّجَرةِ إليه كتَسليمِ العَينِ المُؤجَّرةِ مِنْ الأرضِ والعَقارِ والحَيَوانِ، وعُلَقُ البائِعِ لَم تَنقطِعْ عن المَبيعِ؛ فإنَّ له سَقيَ الأصْلِ وتَعاهُدَه، كما لَم تَنقطِعْ عُلَقُ المُؤجِّرِ عن العَينِ المُستَأجَرةِ، والمُشتَرِي لَم يَتسلَّمِ التَّسليمَ التَّامَّ، كما لَم يَتسلَّمِ المُستأجِرُ التَّسليمَ التَّامَّ؛ فإذا جاءَ أمرٌ غالِبٌ اجتاحَ الثَّمرةَ مِنْ غيرِ تَفريطٍ مِنْ المُشتَرِي لَم يَحِلَّ لِلبائِعِ إلزامُه بثَمَنِ ما أتلَفَه اللَّهُ مِنها قبلَ تَمكُّنِه مِنْ قَبضِها القَبضَ المُعتادَ.

وهذا مَعنَى قَولِ النَّبيِّ : «أرأيتَ إنْ منَع اللَّهُ الثَّمرةَ، فبِمَ يَأخُذُ أحَدُكم مالَ أخيه بغيرِ حَقٍّ»، فذكَر الحُكمَ، وهو قَولُه :

<<  <  ج: ص:  >  >>