للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ : أبطَلَ رَسولُ اللَّهِ ما كانَ عليه أهلُ الجاهِليَّةِ مِنْ أخْذِ الشَّيءِ على وَجْهِ القِمارِ، وأباحَه بالتَّراضي، وبِذلك نَطَقَ القُرآنُ في قَولِ اللهِ : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]، وقد نهَى رَسولُ اللَّهِ عن بُيوعٍ كَثيرةٍ، وإنْ تَراضَى بها المُتبايِعانِ.

والحُكمُ في بَيعِ المُلامَسةِ والمُنابَذةِ كُلُّه، وما كانَ مثلَه، إنْ أُدرِكَ فُسِخَ، وإنْ فاتَ رُدَّ إلى قِيمَتِه يَومَ قُبِضَ بالِغًا ما بلَغ (١).

وقالَ ابنُ رُشدٍ : أمَّا بَيعُ المُلامَسةِ فكانَتْ صُورَتُه في الجاهِليَّةِ أنْ يَلمِسَ الرَّجُلُ الثَّوبَ ولا يَنشُرَه، أو يَبتاعَه لَيلًا ولا يَعلَمَ ما فيه، وهذا مُجمَعٌ على تَحريمِه، وسَبَبُ تَحريمِه الجَهلُ بالصِّفةِ.

وأمَّا بَيعُ المُنابَذةِ فكانَ أنْ يَنبِذَ كلُّ واحِدٍ مِنْ المُتبايِعَيْنِ إلى صاحِبِه الثَّوبَ مِنْ غيرِ أنْ يُعيِّنَ أنَّ هذا بهذا، بَلْ كانوا يَجعَلونَ ذلك راجِعًا إلى الِاتِّفاقِ (٢).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وبَيعُ المُلامَسةِ والمُنابَذةِ غيرُ جائِزٍ، لا نَعلَمُ بينَ أهلِ العِلمِ خِلافًا في فَسادِ هَذيْنِ البَيعَيْنِ (٣).

وقد اختَلَفتْ عِباراتُ الفُقهاءِ في مَعنَى المُلامَسةِ والمُنابَذةِ، وإنْ كانَتْ كُلُّها قَريبةً مِنْ السَّواءِ.


(١) «التمهيد» (١٣/ ١٤).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ١١١).
(٣) «المغني» (٤/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>