للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمَّا إذا قالَ له: أبيعُكَ أحَدَ هَذيْنِ الثَّوبَيْنِ بدِينارٍ، وقد لزِمه أحَدُهما أيَّهما يَختارُ، وافتَرَقا قبلَ الخِيارِ؛ فإذا كانَ الثَّوبانِ مِنْ صِنفَيْنِ وهُما ممَّا يَجوزُ أنْ يُسلَّمَ أحَدُهما في الثَّاني؛ فإنَّه لا خِلافَ بينَ مالِكٍ والشافِعيِّ في أنَّه لا يَجوزُ، وقالَ عَبدُ العزيزِ بنُ أبي سَلَمةَ: إنَّه يَجوزُ، وعِلَّةُ المَنعِ الجَهلُ والغَرَرُ.

وأمَّا إنْ كانا مِنْ صِنفٍ واحِدٍ فيَجوزُ عندَ مالِكٍ، ولا يَجوزُ عندَ أبي حَنيفةَ والشافِعيِّ، وأمَّا مالِكٌ فإنَّه أجازَه؛ لأنَّه يُجيزُ الخِيارَ بعدَ عَقدِ البَيعِ في الأصنافِ المُستَويةِ لِقِلَّةِ الغَرَرِ عندَه في ذلك.

وأمَّا مَنْ لا يُجيزُه فيَعتبِرُه بالغَرَرِ الذي لا يَجوزُ؛ لأنَّهما افتَرَقا على بَيعٍ غيرِ مَعلومٍ.

وبِالجُملةِ الفُقهاءُ مُتَّفِقونَ على أنَّ الغَرَرَ الكَثيرَ في المَبيعاتِ لا يَجوزُ، وأنَّ القَليلَ يَجوزُ، ويَختلِفونَ في أشياءَ مِنْ أنواعِ الغَرَرِ، فبَعضُهم يُلحِقُها بالغَرَرِ الكَثيرِ، وبَعضُهم يُلحِقُها بالغَرَرِ القَليلِ المُباحِ؛ لِتَردُّدِها بينَ القَليلِ والكَثيرِ (١).

أمَّا الإمامُ ابنُ القيِّمِ : فقد فسَّر البَيعَتَيْنِ في بَيعةٍ بأنَّهما الشَّرطانِ في البَيعِ، قالَ: الوَجْهُ الثَّاني والسِّتُّونَ أنَّه نهَى عن بَيعَتَيْنِ في بَيعةٍ، وهو الشَّرطانِ في البَيعِ في الحَديثِ الآخَرِ، وهو الذي لِعاقِدِه أوكَسُ البَيعَتَيْنِ أو الرِّبا في الحَديثِ الثَّالثِ، وذلك سَدٌّ لِذَريعةِ الرِّبا؛ فإنَّه إذا باعَه السِّلعةَ بمِئةٍ مُؤجَّلةٍ ثم اشتَراها مِنه بمِئَتَيْنِ حالَّةٍ فقد باعَ بَيعَتَيْنِ في بَيعةٍ؛ فإنْ


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ١٥، ١٦)، ويُنظر: «الإفصاح» (١/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>