للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، فأجازَه إذا كانَ النَّقدُ واحِدًا أو مُختلِفًا، وعِلَّةُ مَنعِه عندَ الجَميعِ الجَهلُ، وعندَ مالِكٍ مِنْ بابِ سَدِّ الذَّرائِعِ؛ لأنَّه مُمكِنٌ أنْ يَختارَ في نَفْسِه أحَدَ الثَّوبَيْنِ، فيَكونَ قد باعَ ثَوبًا ودِينارًا بثَوبٍ ودِينارٍ، وذلك لا يَجوزُ على أصْلِ مالِكٍ.

وأمَّا الوَجْهُ الثَّالثُ: وهو أنْ يَقولَ له: أبيعُكَ هذا الثَّوبَ نَقدًا بكَذا، أو نَسيئةً بكَذا، فهذا إذا كانَ البَيعُ فيه واجِبًا فلا خِلافَ في أنَّه لا يَجوزُ، وأمَّا إذا لَم يَكُنِ البَيعُ لازِمًا في أحَدِهما فقد أجازَه مالِكٌ، ومنَعه أبو حَنيفةَ والشافِعيُّ؛ لأنَّهما افتَرَقا على ثَمَنٍ غيرِ مَعلومٍ، وجعَله مالِكٌ مِنْ بابِ الخِيارِ؛ لأنَّه إذا كانَ عندَه على الخِيارِ لَم يُتصوَّرْ فيه نَدَمٌ يُوجِبُ تَحويلَ أحَدِ الثَّمنَيْنِ في الآخَرِ، وهذا عندَ مالِكٍ هو المانِعُ.

فعِلَّةُ امتِناعِ هذا الوَجْهِ الثَّالثِ عندَ الشافِعيِّ وأبي حَنيفةَ مِنْ جِهةِ جَهلِ الثَّمنِ فهو عندَهما مِنْ بُيوعِ الغَرَرِ التي نُهيَ عنها، وعِلَّةُ امتِناعِه عندَ مالِكٍ سَدُّ الذَّريعةِ المُوجِبةِ لِلرِّبا؛ لِإمكانِ أنْ يَكونَ الذي له الخِيارُ قد اختارَ أوَّلًا إنفاذَ العَقدِ بأحَدِ الثَّمنَيْنِ، المُؤجَّلِ أو المُعجَّلِ، ثم بَدا له ولَم يَظهَرْ ذلك؛ فيَكونَ قد ترَك أحَدَ الثَّمنَيْنِ لِلثَّمَنِ الثَّاني، فكَأنَّه باعَ أحَدَ الثَّمنَيْنِ بالثَّاني، فيَدخُلَه ثَمَنٌ بثَمَنٍ نَسيئةً، أو نَسيئةً ومُتفاضِلًا، وهذا كُلُّه إذا كانَ الثَّمنُ نَقدًا، وإنْ كانَ الثَّمنُ غيرَ نَقدٍ، بَلْ طَعامًا دخَله وَجْهٌ آخَرُ، وهو بَيعُ الطَّعامِ بالطَّعامِ مُتفاضِلًا.

وأمَّا إذا قالَ: أشتَري مِنْكَ هذا الثَّوبَ نَقدًا بكذا على أنْ تَبيعَه مِنِّي إلى أجَلٍ، فهو عندَهم لا يَجوزُ بإجماعٍ؛ لأنَّه مِنْ بابِ العَيِّنةِ، وهو بَيعُ الرَّجُلِ ما ليسَ عندَه، ويَدخُلُه أيضًا عِلَّةُ جَهلِ الثَّمنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>