قالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: وسَمَّى أُجرةَ ضِرابِه بَيعًا، إمَّا لِكَونِ المَقصودِ هو الماءَ الذي له؛ فالثَّمنُ مَبذولٌ في مُقابَلةِ عَينِ مائِه، وهو حَقيقةُ البَيعِ، وإمَّا أنَّه سَمَّى إجارَتَه لِذلك بَيعًا؛ إذ هي عَقدُ مُعاوَضةٍ، وهي بَيعُ المَنافِعِ، والعادةُ أنَّهم يَستأجِرونَ الفَحلَ لِلضِّرابِ، وهذا هو الذي نُهيَ عنه، والعَقدُ الوارِدُ عليه باطِلٌ، سَواءٌ كانَ بَيعًا أو إجارةً، وهذا قَولُ جُمهورِ العُلماءِ، مِنهم أحمدُ والشافِعيُّ وأبو حَنيفةَ وأصحابُهم (١).
ثُمَّ قالَ جُمهورُ الفُقهاءِ -إلَّا أحمدَ في رِوايةٍ عنه- الَّذينَ مَنَعوا أخْذَ الأُجرةِ على ضِرابِ الفَحلِ: إذا أهدَى صاحِبُ الأُنثَى إلى صاحِبِ الفَحلِ هَديةً أو ساقَ إليه كَرامةً جازَ له أخْذُها؛ لأنَّه سَبَبٌ مُباحٌ، فجازَ أخْذُ الهَديةِ عليه، كالحِجامةِ.
وأمَّا إنْ كانَ ذلك على وَجْهِ المُعاوَضةِ والِاشتِراطِ في الباطِنِ، فقالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: لَم يَحِلَّ له أخْذُه وسَيَأتي، وإنِ احتاجَ إنسانٌ إلى ذلك ولَم يَجِدْ مَنْ يَطرُقُ له دابَّتَه مَجَّانًا، جازَ لِرَبِّ الدَّابَّةِ أنْ يَبذُلَ الكِراءَ؛ لأنَّه بَذْلٌ لِتَحصيلِ مَنفَعةٍ مُباحةٍ لِحاجةٍ؛ فجازَ بَذْلُ عِوَضٍ دَفعًا لِلحاجةِ، وحرُم على رَبِّ الفَحلِ أخْذُه العِوَضَ؛ لِلنَّهيِ السَّابِقِ.
قالَ شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ ﵀: إذا أنزَى على بَهائِمِه فَحلَ غيرِه، فالنِّتاجُ له، ولكنْ إذا كانَ ظالِمًا في الإنزاءِ بحيثُ يَضُرُّ بالفَحلِ المُنزِي فعليه ضَمانُ ما نقَص لِصاحِبِه؛ فإنْ لَم يَعرِفْ صاحِبَه تَصدَّقَ بقِيمةِ نَقصِه، وأمَّا إنْ