للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ كانَ الدَّينُ غيرَ مُستقِرٍّ؛ فإنْ كانَ مُسلَّمًا فيه لَم يَجُزْ بَيعُه؛ لِما رُويَ أنَّ ابنَ عَبَّاسٍ سُئلَ عن رَجُلٍ أسلَفَ في حُلَلٍ دِقاقٍ، فلَم يَجِدْ تلك الحُلَلَ، فقالَ: آخُذُ مِنْكَ مَقامَ كلِّ حُلَّةٍ مِنْ الدِّقاقِ حُلَّتَيْنِ مِنْ الجُلِّ. فكَرِهَه ابنُ عَبَّاسٍ ، وقالَ: خُذْ برَأْسِ المالِ عَلَفًا أو غَنَمًا»، ولأنَّ المِلْكَ في المُسلَّمِ فيه غيرُ مُستقِرٍّ؛ لأنَّه رُبَّما تَعذَّرَ فانفسخَ البَيعُ فيه؛ فلَم يَجُزْ بَيعُه، كالمَبيعِ قبلَ القَبضِ.

وإنْ كانَ ثَمَنًا في بَيعٍ ففيه قَولانِ، قالَ في «الصَّرفِ»: يَجوزُ بَيعُه قبلَ القَبضِ؛ لِحَديثِ ابنِ عمرَ قالَ: أتَيتُ النَّبيَّ ؛ فقُلتُ: إنَّي أبيعُ الإبِلَ بالبَقيعِ؛ فأبيعُ بالدَّنانيرِ وآخُذُ الدَّراهِمَ، وأبيعُ بالدَّراهِمِ فآخُذُ الدَّنانيرَ؛ فقالَ: «لا بَأْسَ أنْ تَأخُذَ بسِعرِ يَومِها ما لَم تَفتَرِقا وبينَكما شَيءٌ» (١).

ولأنَّه لا يُخشَى انفِساخُ العَقدِ فيه بالهَلاكِ؛ فصارَ كالبَيعِ بعدَ القَبضِ، ورَوى المُزَنيُّ في جامِعِه الكَبيرِ أنَّه لا يَجوزُ؛ لأنَّ مِلكَه غيرُ مُستقَرٍّ عليه؛ لأنَّه قد يَنفسِخُ البَيعُ فيه بتَلَفِ المَبيعِ أو بالرَّدِّ بالعَيبِ؛ فلَم يَجُزْ بَيعُه، كالمَبيعِ قبلَ القَبضِ (٢).

وقالَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ: يَجوزُ بَيعُ الدَّينِ المُستقِرِّ مِنْ عَينٍ وقَرضٍ ومَهرٍ بعدَ الدُّخولِ وأُجرةٍ استُوفِيَ نَفعُها، وفَرَغتْ مُدَّتُها، وأرْشِ جِنايةٍ،


(١) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه أبو داود (٣٣٥٤)، والترمذي (١٢٤٢)، والنسائي (٣٣٥٤)، وابن ماجه (٢٢٦٢).
(٢) «المهذب» (١/ ٢٦٢، ٢٦٣)، و «المجموع» (٩/ ٢٥٩، ٢٦١)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٥٣٦، ٥٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>