للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويَدلُّ على ذلك حَديثُ زَيدِ بنِ أسلَمَ المُتقدِّمُ، وفيه المَقالُ المَذكورُ، والأوْلَى ما ذهَب إلَيه الجُمهورُ؛ لأنَّ حَديثَ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ قد ورَد مِنْ طُرُقٍ يُقَوِّي بَعضُها بَعضًا، ولأنَّه يَتضمَّنُ الحَظرَ، وهو أرجَحُ مِنْ الإباحةِ، كما تَقرَّرَ في الأُصولِ.

والعِلَّةُ في النَّهيِ عنه اشتِمالُه على شَرطَيْنِ فاسِدَيْنِ:

أحَدُهما: شَرطُ كَونِ ما دَفَعَه إلَيه يَكونُ مَجَّانًا، إنِ اختارَ تَركَ السِّلعةِ.

والآخَرُ: شَرطُ الرَّدِّ على البائِعِ إذا لَم يَقَعْ مِنه الرِّضا بالبَيعِ (١).

وَأمَّا إنِ اشتَرَى شَيئًا وأعطاه عُربونًا على أنَّه إنْ رَضيَه أخَذه وحَسَبَ العُربونَ مِنْ الثَّمنِ، وإنْ سَخِطَه رَدَّه وأخَذ عُربونَه، فلا بَأْسَ به عندَ عامَّةِ العُلماءِ، ولكنْ لا يَحِلُّ له إذا فسَخ العَقدَ فيما بَعدُ إلَّا برِضا المُشتَرِي.

قالَ الشافِعيَّةُ: إنْ قالَ: هذا الشَّرطُ في العَقدِ نَفْسِه فالبَيعُ باطِلٌ، وإنْ قالَه قبلَه ولَم يَتلفَّظا به حالةَ العَقدِ فهو بَيعٌ صَحيحٌ؛ لأنَّ الشَّرطَ المُؤثِّرَ في البَيعِ هو ما قارَنَ العَقدَ (عندَ الشافِعيَّةِ) (٢).

قالَ الإمامُ ابنُ عَبدِ البَرِّ بعدَ أنْ ذكَر قَولَ الإمامِ مالِكٍ: على قَولِ مالِكٍ هذا جَماعةُ فُقهاءِ الأمصارِ مِنْ الحِجازيِّينَ والعِراقيِّينَ، مِنهم الشافِعيُّ والثَّوريُّ وأبو حَنيفةَ والأوزاعيُّ واللَّيثُ؛ لأنَّه مِنْ بَيعِ القِمارِ والغَرَرِ والمُخاطَرةِ وأكلِ المالِ بغيرِ عِوَضٍ ولا هِبةٍ، وذلك باطِلٌ، وبَيعُ العُربانِ


(١) «نيل الأوطار» (٥/ ٢٥١).
(٢) «المجموع» (٩/ ٣١٧)، و «مغني المحتاج» (٢/ ٤٧٩)، و «الديباج» (٢/ ٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>