للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المَعنَى أنَّ إباحةَ هذه الأشياءِ ذَريعةٌ إلى اقتِناءِ الشُّحومِ وبَيعِها، ويُرجِّحُه أيضًا أنَّ في بَعضِ ألفاظِ الحَديثِ: «لا هي حَرامٌ»، وهذا الضَّميرُ إمَّا أنْ يَرجِعَ إلى الشُّحومِ، وإمَّا إلى هذه الأفعالِ، وعلى التَّقديرَيْنِ هو حُجَّةٌ على تَحريمِ الأفعالِ التي سَألوا عنها.

ويُرجِّحُه أيضًا قَولُه في حَديثِ أبي هُرَيرةَ في الفَأرةِ التي وَقَعتْ في السَّمنِ: «إنْ كانَ جامِدًا فألقُوها وما حَولَها، وإنْ كانَ مائِعًا فلا تَقرَبوه» (١)، وفي الِانتِفاعِ به في الاستِصباحِ وغيرِه قُربانٌ له.

ومَن رَجَّحَ الأوَّلَ يَقولُ: ثبَت عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «إنَّما حُرِّمَ مِنْ المَيْتةِ أكلُها»، وهذا صَريحٌ في أنَّه لا يَحرُمُ الِانتِفاعُ بها في غيرِ الأكلِ، كالوَقيدِ وسَدِّ البُثوقِ ونَحوِهما، قالوا: والخَبيثُ إنَّما تَحرُمُ مُلابَسَتُه باطِنًا وظاهِرًا، كالأكلِ واللُّبسِ، وأمَّا الِانتِفاعُ به مِنْ غيرِ مُلابَسةٍ فلِأيِّ شَيءٍ يَحرُمُ؟ قالوا: ومَن تَأمَّلَ سِياقَ حَديثِ جابرٍ عَلِمَ أنَّ السُّؤالَ إنَّما كانَ مِنهم عنِ البَيعِ، وأنَّهم طَلَبوا مِنه أنْ يُرخِّصَ لَهم في بَيعِ الشُّحومِ؛ لِما فيها مِنْ المَنافِعِ، فأبَى عليهم، وقالَ: «هو حَرامٌ». فإنَّهم لو سَألوه عن حُكمِ هذه الأفعالِ لَقالوا: أرَأيتَ شُحومَ المَيْتةِ هل يَجوزُ أنْ يَستَصبِحَ بها النَّاسُ وتُدهَنَ بها الجُلودُ؟ ولَم يَقولوا: فإنَّه يُفعَلُ بها كذا


(١) رواه أحمد (٧٥٩١)، وأبو داود (٣٨٤٢)، والنسائي (٤٢٦٠)، وقال الشَّيخُ الألبانيُّ في «سلسلة الأحاديث الضعيفة» (١٥٣٢): «شاذٌّ بهذا التَّفصيلِ بينَ المائعِ والجامدِ، وقد بيَّن شذوذَه عن رواية البُخاري» عن مَيمونةَ أنَّ رَسولَ اللهِ سُئلَ عن الفأرةِ تقع في السَّمن فقال: انزِعوها وما حولَها فاطرَحوه. وهذا إسنادُه صحيحٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>