للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيعَ الخَمرِ والمَيْتةِ والخِنزيرِ والأصنامِ»، فقيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أرَأيتَ شُحومَ المَيْتةِ فإنَّها يُطلَى بها السُّفُنُ ويُدهَنُ بها الجُلودُ ويَستَصبِحُ بها النَّاسُ؟ فقالَ: «لا، هو حَرامٌ». ثم قالَ رَسولُ اللَّهِ عندَ ذلك: «قاتَلَ اللَّهُ اليَهودَ، إنَّ اللَّهَ لمَّا حرَّم شُحومَها جَمَلوه ثم باعوه فأكَلوا ثَمَنَه» (١).

فقَولُه: «لا، هو حَرامٌ»، هل الضَّميرُ (هو) يَعودُ إلى البَيعِ والِانتِفاعِ، أو إلى البَيعِ فَقط دونَ الِانتِفاعِ؟ فالجُمهورُ قالوا: يَعودُ على البَيعِ والِانتِفاعِ، والشافِعيَّةُ قالوا: والضَّميرُ في (هو) يَعودُ إلى البَيعِ، لا إلى الِانتِفاعِ.

قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ : هذا مَوضِعٌ اختلَف النَّاسُ فيه؛ لِاختِلافِهم في فَهْمِ مُرادِه، وهو أنَّ قَولَه: «لا، هو حَرامٌ»، هل هو عائِدٌ إلى البَيعِ أو عائِدٌ إلى الأفعالِ التي سَألوا عنها؟ فقالَ شَيخُنا: هو راجِعٌ إلى البَيعِ؛ فإنَّه لمَّا أخبَرَهم بأنَّ اللَّهَ حرَّم بَيعَ المَيْتةِ قالوا: إنَّ شُحومَها مِنْ المَنافِعِ كذا وكذا، يَعنونَ: فهل ذلك مُسوِّغٌ لِبَيعِها؟ فقالَ: «لا، هو حَرامٌ».

قُلتُ: كَأنَّهم طَلَبوا تَخصيصَ الشُّحومِ مِنْ جُملةِ المَيْتةِ بالجَوازِ، كما طَلَبَ العَبَّاسُ تَخصيصَ الإذْخِرِ مِنْ جُملةِ تَحريمِ نَباتِ الحَرَمِ بالجَوازِ؛ فلَم يُجِبْهم إلى ذلك فقالَ: «لا، هو حَرامٌ».

وقالَ غيرُه مِنْ أصحابِ أحمدَ وغيرِهم: التَّحريمُ عائِدٌ إلى الأفعالِ المَسؤولِ عنها، وقالَ: «هو حَرامٌ»، ولَم يَقُلْ: «هي»، لأنَّه أرادَ المَذكورَ جَميعَه، ويُرجِّحُ قَولَهم عَودُ الضَّميرِ إلى أقرَبِ مَذكورٍ، ويُرجِّحُه مِنْ جِهةِ


(١) رواه البخاري (٢١٢١)، ومسلم (١٥٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>