وكذا؛ فإنَّ هذا إخبارٌ مِنهم، لا سُؤالٌ، وهُم لَم يُخبِروه بذلك عُقَيبَ تَحريمِ هذه الأفعالِ عليهم؛ لِيَكونَ قَولُه:«لا، هو حَرامٌ»، صَريحًا في تَحريمِها، وإنَّما أخبَروه به عُقَيبَ تَحريمِ بَيعِ المَيْتةِ، فكَأنَّهم طَلَبوا مِنه أنْ يُرخِّصَ لَهم في بَيعِ الشُّحومِ لِهذه المَنافِعِ التي ذَكَرُوها، فلَم يَفعَلْ، ونِهايةُ الأمْرِ أنَّ الحَديثَ يَحتمِلُ الأمرَيْنِ، فلا يَحرُمُ ما لَم يُعلَم أنَّ اللَّهَ ﷾ ورَسولَه ﷺ حَرَّماه.
قالوا: وقد ثبَت عنه أنَّه نَهاهم عن الِاستِسقاءِ مِنْ آبارِ ثَمودَ، وأباحَ لَهم أنْ يُطعِموا ما عَجَنوا مِنه مِنْ تلك الآبارِ لِلبَهائِمِ، قالوا: ومَعلومٌ أنَّ إيقادَ النَّجاسةِ والِاستِصباحَ بها انتِفاعٌ خالٍ عن هذه المَفسَدةِ، وعَن مُلابَسَتِها باطِنًا وظاهِرًا؛ فهو نَفْعٌ مَحضٌ لا مَفسَدةَ فيه، وما كانَ هَكَذا فالشَّريعةُ لا تُحرِّمُه؛ فإنَّ الشَّريعةَ إنَّما تُحرِّمُ المَفاسِدَ الخالِصةَ أو الرَّاجِحةَ وطُرُقَها وأسبابَها المُوصِّلةَ إليها.
ثم قالَ: والمَقصودُ أنَّه لا يَلزَمُ مِنْ تَحريمِ بَيعِ المَيْتةِ تَحريمُ الِانتِفاعِ بها في غيرِ ما حرَّم اللَّهُ ﷾ ورَسولُه ﷺ مِنها، كالوَقيدِ وإطعامِ الصُّقورِ والبُزاةِ وغيرِ ذلك، وقد نصَّ مالِكٌ على جَوازِ الِاستِصباحِ بالزَّيتِ النَّجِسِ في غيرِ المَساجِدِ، وعلى جَوازِ عَمَلِ الصَّابونِ مِنه، ويَنبَغي أنْ يُعلَمَ أنَّ بابَ الِانتِفاعِ أوسَعُ مِنْ بابِ البَيعِ؛ فليسَ كلُّ ما حُرِّمَ بَيعُه حُرِّمَ الِانتِفاعُ به، بَلْ لا تَلازُمَ بينَهما، فلا يُؤخذُ تَحريمُ الِانتِفاعِ مِنْ تَحريمِ البَيعِ (١).