للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ مَرَّةً: يَجوزُ الِانتِفاعُ بها؛ لأنَّ النَّبيَّ مَرَّ على شاةِ مَيمونةَ فقالَ: «هَلَّا أخَذتُم إهابَها» الحَديثَ.

وقالَ مَرَّةً: جُملَتُها مُحرَّمةٌ؛ فلا يَجوزُ الِانتِفاعُ بشَيءٍ مِنها، ولا بشَيءٍ مِنْ النَّجاساتِ على وَجْهٍ مِنْ وُجوهِ الِانتِفاعِ حتى إنَّه لا يَجوزُ أنْ يُسقَى الزَّرعُ، ولا الحَيَوانُ الماءَ النَّجِسَ، ولا أنْ تُعلَفَ البَهائِمُ النَّجاساتِ، ولا أنْ تُطعَمَ الكِلابُ والسِّباعُ المَيْتةَ وإنْ أكلَتْها لَم تُمنَعْ (١).

والقَولُ الثَّاني: ذهَب الشافِعيَّةُ إلى جَوازِ الِانتِفاعِ بالمَيْتةِ بكُلِّ أنواعِ الِانتِفاعِ، وإنَّما المُحرَّمُ هو البَيعُ فَقط.

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : وأمَّا قَولُه: «لا، هو حَرامٌ»، فمَعناه: لا تَبيعوها؛ فإنَّ بَيعَها حَرامٌ، والضَّميرُ في «هو» يَعودُ إلى البَيعِ، لا إلى الِانتِفاعِ، هذا هو الصَّحيحُ عندَ الشافِعيِّ وأصحابِه أنَّه يَجوزُ الِانتِفاعُ بشَحمِ المَيْتةِ في طَلْيِ السُّفُنِ والِاستِصباحِ به، وغيرِ ذلك ممَّا ليسَ بأكْلٍ ولا في بَدَنِ الآدَميِّ، وبِهذا قالَ أيضًا عَطاءُ بنُ أبي رَباحٍ ومُحمَّدُ بنُ جَريرٍ الطَّبَريُّ، وقالَ الجُمهورُ: لا يَجوزُ الِانتِفاعُ به في شَيءٍ أصلًا؛ لِعُمومِ النَّهيِ عن الِانتِفاعِ بالمَيْتةِ، إلَّا ما خُصَّ، وهو الجِلدُ المَدبوغُ (٢).

وسَبَبُ الخِلافِ في هذا هو حَديثُ جابرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللَّهِ يَقولُ عامَ الفَتحِ وهو بمَكَّةَ: «إنَّ اللَّهَ ورَسولَه حرَّم


(١) «تفسير القرطبي» (٢/ ٢١٨).
(٢) «شرح مسلم» (١١/ ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>