للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إذا كانَ المَبيعُ قِيَميًّا، وإنْ كانَ مِثليًّا مَلَكَه بمِثلِه؛ إذْ هو أعدَلُ؛ لِكَونِه مِثْلًا له صُورةٌ ومَعنًى.

والفاسِدُ يُفيدُ المِلْكَ بالقَبضِ بأمرِ البائِعِ صَريحًا أو دِلالةً، كما إذا قبَضه في المَجلِسِ وسكَت حتى يَجوزَ له التَّصرُّفُ فيه إلَّا الِانتِفاعَ، لِما رُويَ عن عَمْرةَ عن عائِشةَ قالَتْ: أتَتْها بَريرةُ تَسألُها في كِتابَتِها، فقالَتْ : إنْ شِئتِ أعطَيتُ أهلَكِ ويَكونُ الوَلاءُ لي. فلمَّا جاءَ رَسولُ اللَّهِ ذَكَرتْ ذلك، فقالَ النَّبيُّ: «ابتاعيها فأعتِقيها؛ فإنَّما الوَلاءُ لِمَنْ أعتَقَ»، ثم قامَ رَسولُ اللَّهِ على المِنبَرِ، فقالَ: «ما بالُ أقوامٍ يَشتَرِطونَ شُروطًا ليسَتْ في كِتابِ اللَّهِ، مَنْ اشتَرطَ شَرطًا ليسَ في كِتابِ اللَّهِ فليسَ له، وإنِ اشتَرطَ مِئةَ شَرطٍ» (١)، فالنَّبيُّ أجازَ العِتقَ مع فَسادِ البَيعِ بالشَّرطِ؛ لأنَّ رُكنَ التَّمليكِ، وهو قَولُه: «بِعتُ واشتَرَيتُ»، صدَر مِنْ أهلِه، وهو المُكلَّفُ المُخاطَبُ مُضافًا إلى مَحَلِّه، وهو المالُ عن وِلايةٍ؛ إذِ الكَلامُ فيهِما؛ فيَنعقِدُ؛ لِكَونِه وَسيلةً إلى المَصالِحِ، والفَسادِ، لِمَعنًى يُجاوِرُه، كالبَيعِ وَقتَ النِّداءِ، والنَّهيُ لا يَنفي الِانعِقادَ، بَلْ يُقرِّرُه؛ لأنَّه يَقتَضي تَصَوُّرَ المَنهيِّ عنه والقُدرةَ عليه، لأنَّ النَّهيَ عَمَّا لا يُتصوَّرُ وعَن غيرِ المَقدورِ قَبيحٌ، إلَّا أنَّه يُفيدُ مِلْكًا خَبيثًا لِمَكانِ النَّهيِ.

ولِهذا يَجِبُ على كلِّ واحِدٍ مِنْ المُتعاقدَيْنِ فَسخُه إزالةً لِلخُبثِ، ورَفعًا لِلفَسادِ. ولا يُشترَطُ القَضاءُ، فيُفسَخُ بمَحضَرٍ مِنْ الآخَرِ، أي: بعِلمِه، رَضيَ أو لا؛ لأنَّ في الفَسخِ إلزامَ الفَسخِ على صاحِبِه؛ فلا يَلزَمُ بدُونِ عِلمِه.


(١) رواه البخاري (٢٧٣٥)، ومسلم (١٥٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>