للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ حيثُ هو رِبًا، فيَسقُطُ الرِّبا ويَصحُّ البَيعُ، ولو كانَ على ما ذُكِرَ لَما فسَخ النَّبيُّ هذه الصَّفقةَ، ولَأمَرَه برَدِّ الزِّيادةِ على الصَّاعِ، ولَصَحَّحَ الصَّفقةَ في مُقابَلةِ الصَّاعِ المُوفِّيةِ عِشرينَ، وكُلُّ ما كانَ مِنْ حَرامٍ بَيِّنٍ فُسِخَ؛ فعلى المُبتاعِ رَدُّ السِّلعةِ بعَينِها؛ فإنْ تَلِفتْ بيَدِه رَدَّ القِيمةَ فيما له القِيمةُ، وذلك كالعَقارِ والعُروضِ والحَيَوانِ والمِثْلِ فيما له مِثْلٌ مِنْ مَوزونٍ أو مَكِيلٍ مِنْ طَعامٍ أو عَرضٍ. قالَ مالِكٌ: يُرَدُّ الحَرامُ البَيِّنُ، فاتَ أو لَم يَفُتْ، وما كانَ ممَّا كَرِهَ النَّاسُ رُدَّ، إلَّا أنْ يَفوتَ، فيُترَكُ (١).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : قَولُه في حَديثِ أبي سَعيدٍ لِمَنِ اشتَرَى صاعًا بصاعَيْنِ: «هذا الرِّبا؛ فرُدُّوه»، هذا دَليلٌ على أنَّ المَقبوضَ ببَيعٍ فاسِدٍ يَجِبُ رَدُّه على بائِعِه، وإذا رَدَّه استَرَدَّ الثَّمنَ، فإنْ قيلَ: فلَم يُذكَرْ في الحَديثِ السَّابِقِ أنَّه أمَرَ برَدِّه، فالجَوابُ: أنَّ الظَّاهِرَ أنَّها قَضيةٌ واحِدةٌ، وأمْرَ فيها برَدِّه، فبَعضُ الرُّواةِ حَفِظَ ذلك، وبَعضُهم لَم يَحفَظْه، فقَبِلْنا زِيادةَ الثِّقةِ، ولو ثبَت أنَّهُما قَضيَّتانِ لَحُمِلَتِ الأُولَى على أنَّه أيضًا أمَرَ به، وإنْ لَم يَبلُغْنا ذلك، ولو ثبَت أنَّه لَم يَأمُرْ به مع أنَّهُما قَضيَّتانِ لَحَمَلْناها على أنَّه جَهِلَ بائِعَه، ولا يُمكِنُ مَعرِفَتُه، فصارَ مالًا ضائِعًا لِمَنْ عليه دَيْنٌ بقِيمَتِه، وهو التَّمرُ الذي قبَضه عِوَضًا، فحصَل أنَّه لا إشكالَ في الحَديثِ، ولِلَّهِ الحَمدُ (٢).


(١) «تفسير القرطبي» (٣/ ٣٥٨).
(٢) «شرح صحيح مسلم» (١١/ ٢٣، ٢٤)، وانظر: «فتح الباري» (٤/ ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>