للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعَيْنِه، انطَلِقْ فرُدَّه على صاحِبِه، وخُذْ تَمرَكَ فبِعْه، ثم اشتَرِ التَّمرَ» (١).

وقالَ الإمامُ السَّرخَسيُّ : العَقدُ الفاسِدُ يَستحِقُّ فَسخَه ورَدَّه؛ لأنَّ مُباشَرَتَه مَعصيةٌ، والإصرارُ على المَعصيةِ مَعصيةٌ؛ فلِهَذا قالَ : «أرْبَيتُما فرُدَّا»، ولَم يُعاتِبْهما على ما صَنَعا؛ لأنَّ نُزولَ تَحريمِ الرِّبا لَم يَكُنِ اشتُهِرَ بَعدُ، فعَذَرَهما بالجَهلِ به (٢).

وعَن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ قالَ: جاءَ بِلالٌ إلى النَّبيِّ بتَمرٍ بَرنِيٍّ؛ فقالَ له النَّبيُّ : «مِنْ أينَ هَذا؟»، قالَ بِلالٌ: كانَ عندَنا تَمرٌ رَديٌّ، فبِعتُ مِنه صاعَيْنِ بصاعٍ؛ لِنُطعِمَ النَّبيَّ ؛ فقالَ النَّبيُّ عندَ ذلك: «أوَّه أوَّه، عَينُ الرِّبا، عَينُ الرِّبا، لا تَفعَلْ، ولكنْ إذا أرَدتَ أنْ تَشتَريَ فبِعِ التَّمرَ ببَيعٍ آخَرَ ثم اشتَرِ به» (٣).

وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «هذا الرِّبا؛ فرُدُّوه، ثم بِيعوا تَمرَنا واشتَرُوا لَنا مِنْ هذا» (٤).

قالَ الإمامُ القُرطُبيُّ : قالَ عُلماؤُنا: فقَولُه: «أوَّه، عَينُ الرِّبا»، أي: هو الرِّبا المُحرَّمُ نَفْسُه، لا ما يُشبِهُه، وقَولُه: «فرُدُّوه» يَدلُّ على وُجوبِ فَسخِ صَفقةِ الرِّبا، وأنَّها لا تَصحُّ بوَجْهٍ، وهو قَولُ الجُمهورِ، خِلافًا لِأبي حَنيفةَ، حيثُ يَقولُ: إنَّ بَيعَ الرِّبا جائِزٌ بأصْلِه مِنْ حيثُ هو بَيعٌ مَمنوعٌ بوَصفِه


(١) شرح صحيح البخاري لابن بطال (٦/ ٣٢٢، ٣٢٣).
(٢) «المبسوط» (١٤/ ٧).
(٣) رواه البخاري (٢١٨٨)، ومسلم (١٥٩٤).
(٤) رواه مسلم (١٥٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>