للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانَتِ الأُصولُ تُوجِبُ تَقسيطَ الثَّمنِ على القِيمةِ اقتَضى أنْ يَكونَ العَقدُ ههُنا فاسِدًا؛ لأنَّه يَتردَّدُ بينَ أمرَيْنِ:

أحَدُهما: العِلمُ بالتَّفاضُلِ.

والآخَرُ: الجَهلُ بالتَّماثُلِ؛ لأنَّه يَجوزُ أنْ تَكونَ قِيمةُ المُدِّ الذي مع الدِّرهَمِ أقَلَّ مِنْ دِرهَمٍ أو أكثَرَ مِنْ دِرهَمٍ، أو يَكونَ دِرهَمًا، لا أقَلَّ ولا أكثَرَ. فإنْ كانَ أقَلَّ أو أكثَرَ كانَ التَّفاضُلُ مَعلومًا، وإنْ كانَ دِرهَمًا كانَ التَّماثُلُ مَجهولًا، والجَهلُ بالتَّماثُلِ كالعِلمِ بالتَّفاضُلِ. فلَم يَخْلُ العَقدُ في كِلا الأمرَيْنِ مِنْ الفَسادِ.

فإنْ قيلَ: الثَّمنُ لا يَتقسَّطُ على القِيمةِ في حالِ العَقدِ، وإنَّما يَتقسَّطُ على القِيمةِ بالِاستِحقاقِ فيما بَعدُ؛ لأنَّ الثَّمنَ لا يَصحُّ أنْ يَكونَ مَجهولًا حالَ العَقدِ، وتَقسيطُه على القِيمةِ به يُفضي إلى الجَهالةِ. قُلْنا: هذا القَولُ فاسِدٌ؛ لأنَّ الثَّمنَ لا بدَّ أنْ يَكونَ مُقَسَّطًا إمَّا على القِيمةِ، وإمَّا على العَدَدِ؛ فلمَّا بطَل أنْ يَكونَ مُقَسَّطًا على العَدَدِ؛ لأنَّه لا يُستحَقُّ به، ثبَت أنَّه مُقَسَّطٌ على القِيمةِ، وليسَ الجَهلُ بالتَّفصيلِ مع العِلمِ بالجُملةِ مانِعًا مِنْ الصِّحَّةِ.

فأمَّا استِدلالُهم بأنَّ العَقدَ إذا أمكَنَ حَملُه على الصِّحَّةِ لَم يَجُزْ حَملُه على الفَسادِ. فيَنتقِضُ بمَن باعَ سِلعةً إلى أجَلٍ، ثم اشتَراها نَقدًا بأقَلَّ مِنْ الثَّمنِ الأوَّلِ؛ فإنَّه لا يَجوزُ عندَهم، مع إمكانِ حَملِه على الصِّحَّةِ، وهُما عَقدانِ يَجوزُ كلُّ واحِدٍ مِنهما على الِانفِرادِ، وجَعَلوا العَقدَ الواحِدَ ههُنا عَقدَيْنِ؛ لِيَحمِلوه على الصِّحَّةِ، فكانَ هذا إفسادًا لقولِهم. ولو كانَ هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>