قالوا: وهذا ضِدُّ الرِّبا، فإنَّ ذلك يَتضمَّنُ الزِّيادةَ في الأجَلِ والدَّينِ، وذلك إضرارٌ مَحضٌ بالغَريمِ، ومَسألَتُنا تَتضمَّنُ بَراءةَ ذِمَّةِ الغَريمِ مِنْ الدَّينِ، وانتِفاعَ صاحِبِه بما يَتعجَّلُه، فكِلاهُما حصَل له الِانتِفاعُ مِنْ غيرِ ضَرَرٍ، بخِلافِ الرِّبا المُجمَعِ عليه؛ فإنَّ ضَرَرَه لاحِقٌ بالمَدِينِ، ونَفعَه مُختَصٌّ برَبِّ الدَّينِ، فهذا ضِدُّ الرِّبا صُورةً ومَعنًى.
قالوا: ولأنَّ مُقابَلةَ الأجَلِ بالزِّيادةِ في الرِّبا ذَريعةٌ إلى أعظَمِ الضَّرَرِ، وهو أنْ يَصيرَ الدِّرهَمُ الواحِدُ أُلوفًا مُؤلَّفةً، فتَشتَغِلَ الذِّمَّةُ بغيرِ فائِدةٍ، وفي الوَضعِ والتَّعجيلِ تَتخلَّصُ ذِمَّةُ هذا مِنْ الدَّينِ، ويَنتفِعُ ذاكَ بالتَّعجيلِ له.
قالوا: والشارِعُ له تَطلُّعٌ إلى بَراءةِ الذِّمَمِ مِنْ الدُّيونِ، وسَمَّى الغَريمَ المَدِينَ أسيرًا، ففي بَراءةِ ذِمَّتِه تَخليصٌ له مِنْ الأسْرِ، وهذا ضِدُّ شَغلِها بالزِّيادةِ مع الصَّبرِ، وهذا لازِمٌ لِمَنْ قالَ: يَجوزُ ذلك في دَينِ الكِتابةِ، وهو قَولُ أحمدَ وأبي حَنيفةَ؛ فإنَّ المَكاتَبَ مع سَيِّدِه كالأجنَبيِّ في بابِ المُعامَلاتِ، ولِهذا لا يَجوزُ أنْ يَبيعَه دِرهَمًا بدِرهَمَيْنِ، ولا أنْ يُبايِعَه بالرِّبا، فإذا جازَ له أنْ يَتعجَّلَ بَعضَ كِتابَتِه ويَضَعَ عنه بَقيَّتَها، لِما له في ذلك مِنْ مَصلَحةِ تَعجيلِ العِتقِ وبَراءةِ ذِمَّتِه مِنْ الدَّينِ، لَم يُمنَعْ ذلك في غيرِه مِنْ الدُّيونِ.
ولو ذهَب ذاهِبٌ إلى التَّفصيلِ في المَسألةِ وقالَ: لا يَجوزُ في دَينِ القَرضِ، إذا قُلنا بلُزومِ تَأجيلِه، ويَجوزُ في ثَمَنِ المَبيعِ والأُجرةِ وعِوَضِ الخُلعِ والصَّداقِ، لَكانَ له وَجْهٌ، فإنَّه في القَرضِ يَجِبُ رَدُّ المِثْلِ، فإذا عجَّل