قالَ ابنُ القيِّمِ ﵀: إذا كانَ له على رَجُلٍ دَينٌ مُؤجَّلٌ وأرادَ رَبُّ الدَّيْنِ السَّفَرَ، وخافَ أنْ يَذهَبَ مالُه، أو احتاجَ إليه، ولا يُمكِنُه المُطالَبةُ قبلَ الحُلولِ، فأرادَ أنْ يَضَعَ عن الغَريمِ بَعضًا ويُعجِّلَ له باقيَه، فقدِ اختلَف السَّلَفُ والخَلَفُ في هذه المَسألةِ:
فأجازَها ابنُ عَبَّاسٍ ﵁ وحرَّمها ابنُ عمرَ ﵁، وعَن أحمدَ فيها رِوايَتانِ، أشهَرُهما عنه: المَنعُ، وهي اختِيارُ جُمهورِ أصحابِه، والأُخرى: الجَوازُ، حَكاها ابنُ أبي موسى، وهي اختِيارُ شَيخِنا … قالَ المُبيحونَ: صَحَّ عن ابنِ عَبَّاسٍ ﵁ أنَّه كانَ لا يَرَى بَأْسًا أنْ يَقولَ: «أُعجِّلُ لَكَ وتَضَعُ عَنِّي»، وهو الذي رَوى أنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ لمَّا أمَرَ بإخراجِ بَني النَّضيرِ مِنْ المَدينةِ جاءَه ناسٌ مِنهم، فقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّكَ أمَرتَ بإخراجِهم، ولَهم على النَّاسِ دُيونٌ لَم تَحِلَّ؟ فقالَ النَّبيُّ ﷺ:«ضَعوا وتَعَجَّلوا»(١)، قالَ أبو عَبدِ اللَّهِ الحاكِمُ: هو صَحيحُ الإسنادِ.
قُلتُ: هو على شَرطِ السُّنَنِ، وقد ضَعَّفَه البَيهَقيُّ وإسنادُه ثِقاتٌ: وإنَّما ضُعِّفَ بمُسلِمِ بنِ خالِدٍ الزِّنجيِّ، وهو ثِقةٌ فَقيهٌ رَوى عنه الشافِعيُّ، واحتَجَّ به، وقالَ البَيهَقيُّ: بابُ مَنْ عجَّل له أدنَى مِنْ حَقِّه، قبلَ مَحِلِّه، فوَضَعَ عنه طَيِّبةً به أنْفُسُهما، وكَأنَّ مُرادَه أنَّ هذا وقَع بغيرِ شَرطٍ، بَلْ هذا عجَّل، وهذا وَضَعَ، ولا مَحذورَ في ذلك.
(١) رواه الطحاوي في «شرح المشكل» (١١/ ٥٦)، والدارقطني (٣/ ٤٦)، والبيهقي في «الكبرى» (١٠٩٢٠)، والحاكم في «المستدرك» (٢٣٢٥).