ورُويَ عن كَثيرٍ مِنْ أصحابِ مالِكٍ، وبَعضُهم يَرويه عن مالِكٍ، في التَّاجِرِ يَحفِزُه الخُروجُ وبه حاجةٌ إلى دَراهِمَ مَضروبةٍ أو دَنانيرَ مَضروبةٍ، فيَأتي دارَ الضَّربِ بفِضَّتِه أو ذَهَبِه، فيَقولُ لِلضَّرَّابِ: خُذْ فِضَّتي هذه، أو ذَهَبي، وخُذْ قَدْرَ عَمَلِ يَدِكَ، وادفَعْ إلَيَّ دَنانيرَ مَضروبةً في ذَهَبي، أو دَراهِمَ مَضروبةً في فِضَّتي هذه؛ لِأنِّي مَحفوزٌ لِلخُروجِ، وأخافُ أنْ يَفوتَني مَنْ أخرُجُ معه، أنَّ ذلك جائِزٌ لِلضَّرورةِ، وأنَّه قد عَمِلَ به بَعضُ النَّاسِ.
قالَ الإمامُ ابنُ عَبدِ البَرِّ بعدَما ذكَر هذا الكَلامَ: «هذا ممَّا يُرسِلُه العالِمُ عن غيرِ تَدبُّرٍ ولا رِوايةٍ، ورُبَّما حَكاه لِمَعنًى قادَه إلى حِكايَتِه، فيَتوهَّمُ السَّامِعُ أنَّه مَذهبُه، فيَحمِلُه عنه، وهذا عَينُ الرِّبا؛ لأنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَنْ زادَ أو ازدادَ فقد أرْبَى»، وقالَ ابنُ عمرَ لِلصَّائِغِ: «لا»، في مِثلِ هذه المَسألةِ، ونَهاه عنها، وقالَ: «هذا عَهدُ نَبيِّنا إلينا، وعَهدُنا إليكم»، وهذا قد باعَ فِضَّةً بفِضَّةٍ أكثَرَ مِنها، وأخَذ في المَضروبِ زيادةً على غيرِ المَضروبِ، وهو الرِّبا المُجتَمَعُ عليه؛ لأنَّه لا يَجوزُ مَضروبُ الفِضَّةِ ومَصوغُها بتِبرِها، ولا مَضروبُ الذَّهبِ ومَصوغُه بتِبرِه وعَينِه، إلَّا وَزنًا بوَزنٍ، عندَ جَميعِ الفُقهاءِ، وعلى ذلك تَواتَرتِ السُّنَنُ عنِ النَّبيِّ ﷺ» (١).
وذهَب الإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ اختارَها شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ وابنُ القيِّمِ ونَصَرَها أنَّه إذا كانَتِ الصِّياغةُ مُباحةً، كخاتَمِ الفِضَّةِ وحِليةِ النِّساءِ وما
(١) «التمهيد» (٢/ ٢٤٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute