الصِّنفِ الآخَرِ، فإنَّه يَحتاجُ إلى بَيعِه بالدَّراهِمِ لِيَشتَريَ الصِّنفَ الآخَرَ، كما قالَ النَّبيُّ ﷺ:«بِعِ الجَمعَ بالدَّراهِمِ ثم اشتَرِ بالدَّراهِمِ جَنيبًا»، أو تَبيعُه بذلك الصِّنفِ نَفْسِه بما يُساوي، وعلى كِلا التَّقديرَيْنِ يَحتاجُ إلى بَيعِه حالًّا، بخِلافِ ما إذا مُكِّنَ مِنْ النَّساءِ، فإنَّه حينَئذٍ يَبيعُه بفَضلٍ، ويَحتاجُ إلى أنْ يَشتَريَ الصِّنفَ الآخَرَ بفَضلٍ؛ لأنَّ صاحِبَ ذلك الصِّنفِ يُرْبِي عليه كما أرْبَى هو على غيرِه، فيَنشَأُ مِنْ النَّساءِ تَضرُّرٌ بكُلِّ واحِدٍ مِنهُما، والنَّساءُ ههُنا في صِنفَيْنِ، وفي النَّوعِ الأوَّلِ في صِنفٍ واحِدٍ، وكِلاهُما مَنشَأُ الضَّرَرِ والفَسادِ.
وإذا تَأمَّلتَ ما حُرِّمَ فيه النَّساءُ رَأيتَه إمَّا صِنفًا واحِدًا أو صِنفَيْنِ مَقصودُهما واحِدٌ أو مُتقارِبٌ، كالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ والبُرِّ والشَّعيرِ والتَّمرِ والزَّبيبِ، فإذا تَباعَدتِ المَقاصِدُ لَم يُحرَّمِ النَّساءُ، كالبُرِّ والثِّيابِ والحَديدِ والزَّيتِ.
يُوضِّحُ ذلك أنَّه لو مُكِّنَ مِنْ بَيعِ مُدِّ حِنطةٍ بمُدَّيْنِ كانَ ذلك تِجارةً حاضِرةً، فتَطلُبُ النُّفوسُ التِّجارةَ المُؤخَّرةَ لِلَذَّةِ الكَسبِ وحَلاوَتِه، فمُنِعوا مِنْ ذلك حتى مُنِعوا مِنْ التَّفرُّقِ قبلَ القَبضِ؛ إتمامًا لِهذه الحِكمةِ، ورِعايةً لِهذه المَصلَحةِ، فإنَّ المُتعاقدَيْنِ قد يَتعاقَدانِ على الحُلولِ، والعادةُ جاريةٌ بصَبرِ أحَدِهما على الآخَرِ، وكما يَفعَلُ أربابُ الحِيَلِ يُطلِقونَ العَقدَ، وقد تَواطَؤوا على أمْرٍ آخَرَ، كما يُطلِقونَ عَقدَ النِّكاحِ، وقد اتَّفَقوا على التَّحليلِ، ويُطلِقونَ بَيعَ السِّلعةِ إلى أجَلٍ، وقد اتَّفَقوا على أنَّه يُعيدُها إليه بدُونِ ذلك الثَّمنِ، فلو جُوِّزَ لَهم التَّفرُّقُ قبلَ القَبضِ لَأطلَقوا البَيعَ حالًّا، وأخَّروا الطَّلَبَ لِأجْلِ الرِّبحِ، فيَقَعوا في المَحذورِ نَفْسِه.