فيَقولَ له: أتَقضي أم تُرْبي؟ فإنْ لَم يَقضِه زادَه في المالِ، وزادَه هذا في الأجَلِ، وقد جعَل اللَّهُ سُبحانَه الرِّبا ضِدَّ الصَّدَقةِ، فالمُرابي ضِدُّ المُتصدِّقِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧٦] وقال: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)﴾ [الروم: ٣٩] وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١)﴾ [آل عمران: ١٣٠ - ١٣١]، ثم ذكَر الجَنَّةَ التي أُعِدَّتْ لِلمُتَّقينَ الذين يُنفِقونَ في السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، وهؤلاء ضِدُّ المُرابينَ، فنهَى سُبحانَه عن الرِّبا الذي هو ظُلمٌ لِلنَّاسِ، وأمَرَ بالصَّدَقةِ، التي هي إحسانٌ إليهم.
وأمَّا تَحريمُ رِبا الفَضلِ فمِن بابِ سَدِّ الذَّرائِعِ، كما صرَّح به في حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ ﵁ عنِ النَّبيِّ ﷺ:«لا تَبيعوا الدِّرهَمَ بالدِّرهمَيْنِ، فإنِّي أخافُ عليكم الرَّمَا، والرَّمَا هو الرِّبا»(١)، فمنَعهم مِنْ رِبا الفَضلِ؛ لِما يَخافُه عليهم مِنْ رِبا النَّسيئةِ، وذلك أنَّهم إذا باعوا دِرهَمًا بدِرهمَيْنِ -ولا يُفعَلُ هذا إلَّا لِلتَّفاوُتِ الذي بينَ النَوعَينِ، إمَّا في الجَودةِ وإمَّا في السَّكَّةِ، وإمَّا في الثِّقَلِ والخِفَّةِ وغيرِ ذلك- تَدَرَّجوا بالرِّبحِ المُعجَّلِ
(١) رواه الإمام أحمد في «مسنده» (٥٨٨٥، ١١٠١٩)، وقال الهيثمي في «المجمع» (٤/ ١١٣): ورواه الطبراني في الكبير بنحوِه وفيه أبو جناب، وهو ثِقة لكنَّه مُدلِّس. وروى مالك في «الموطأ» في البيوع (٢/ ٦٣٤، ٦٣٥)، والبيهقي في «الكبرى» (٥/ ٢٧٩) من طريقِ ابن عمرَ عن عمرَ أنَّه قالَ: «لا تَبيعوا الذَّهبَ بالذَّهبِ … ؛ فإني أخافُ عليكم الرَّماءَ، والرَّماءُ: هو الرِّبا».