للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَصلُحُ، وهو أيضًا يُشبِهُ حَديثَ زَيدِ بنِ أسلَمَ في بَيعِ أهلِ الجاهِليَّةِ أنَّهم كانوا إذا حَلَّتْ دُيونُهم قالوا لِلَّذي عليه الدَّيْنُ: إمَّا أنْ تَقضيَ وإمَّا أنْ تُرْبيَ، فإنْ قَضى أخَذوا، وإلَّا زادوهم في حُقوقِهم، وزادوهم في الأجَلِ (١).

وقالَ ابنُ القيِّمِ : الرِّبا نَوعانِ: جَليٌّ وخفيٌّ، فالجَليُّ حُرِّمَ؛ لِما فيه مِنْ الضَّرَرِ العَظيمِ، والخَفيُّ حُرِّمَ لأنَّه ذَريعةٌ إلى الجَليِّ، فتَحريمُ الأوَّلِ قَصدٌ، وتَحريمُ الثَّاني وَسيلةٌ.

فَأمَّا الجَلِيُّ فرِبا النَّسيئةِ، وهو الذي كانوا يَفعَلونَه في الجاهِليَّةِ، مثلَ أنْ يُؤخِّرَ دَيْنَه ويَزيدَه في المالِ، وكُلَّما أخَّرَه زادَ في المالِ حتى تَصيرَ المِئةُ عندَه آلافًا مُؤلَّفةً، وفي الأغلَبِ لا يَفعَلُ ذلك إلَّا مُعدمٌ مُحتاجٌ، فإذا رَأى أنَّ المُستحِقَّ يُؤخِّرُ مُطالَبَتَه ويَصبِرُ عليه بزِيادةٍ يَبذُلُها له تَكلَّفَ بَذْلَها؛ لِيَفتَديَ مِنْ أسْرِ المُطالَبةِ والحَبسِ، ودافَعَ مِنْ وَقتٍ إلى وَقتٍ، فاشتَدَّ ضَرَرُه وعَظُمتْ مُصيبَتُه، وعلاه الدَّيْنُ حتى يَستَغرِقَ جَميعَ مَوجودِه، فيَربُوَ المالُ على المُحتاجِ مِنْ غيرِ نَفْعٍ يَحصُلُ له، ويَزيدَ مالُ المُرابي مِنْ غيرِ نَفْعٍ يَحصُلُ مِنه لِأخيه، فيَأكُلَ مالَ أخيه بالباطِلِ، ويَحصُلَ لِأخيه غايةُ الضَّرَرِ، فمِن رَحمةِ أرحَمِ الرَّاحِمينَ وحِكمَتِه وإحسانِه إلى خَلْقِه أنْ حرَّم الرِّبا ولعَن آكِلَه ومُوكِلَه وكاتِبَه وشاهِدَيْه، وآذَنَ مَنْ لَم يَدَعْه بحَرْبِه وحَرْبِ رَسولِه، ولَم يَجِئْ مِثلُ هذا الوَعيدِ في كَبيرةٍ غيرِه، ولِهذا كانَ مِنْ أكبَرِ الكَبائِرِ.

وسُئلَ الإمامُ أحمدُ عن الرِّبا الذي لا شَكَّ فيهِ، فقالَ: هو أنْ يَكونَ له دَيْنٌ،


(١) «موطأ الإمام مالك» (٢/ ٦٧٢، ٦٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>