للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا رِبا النَّسيئةِ فهو الأمْرُ الذي كانَ مَشهورًا مُتعارَفًا في الجاهِليةِ، وذلك أنَّهم كانوا يَدفَعونَ المالَ على أنْ يَأخُذوا كُلَّ شَهرٍ قَدْرًا مُعيَّنًا، ويَكونَ رَأْسُ المالِ باقيًا، ثم إذا حَلَّ الدَّينُ طالَبوا المَدِينَ برَأْسِ المالِ، فإنْ تَعذَّرَ عليه الأداءُ زادوا في الحَقِّ والأجَلِ، فهذا هو الرِّبا الذي كانوا في الجاهِليَّةِ يَتعامَلونَ به.

وَأمَّا رِبا النَّقدِ فهو أنْ يُباعَ مِنْ الحِنطةِ بمَنَوَيْنِ مِنها وما أشبَهَ ذلك (١).

وما ذكَره الرَّازيُّ هو ما رَواه الإمامُ مالِكٌ عن مالِكٍ عن زَيدِ بنِ أسلَمَ أنَّه قالَ: كانَ الرِّبا في الجاهِليَّةِ أنْ يَكونَ لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الحَقُّ إلى أجَلٍ، فإذا حَلَّ الأجَلُ قالَ: أتَقضي أم تُرْبي؟ فإنْ قَضَى أخَذ، وإلا زادَه في حَقِّه وأخَّرَ عنه في الأجَلِ.

قالَ الإمامُ مالِكٍ : والأمْرُ المَكروهُ الذي لا اختِلافَ فيه عندَنا أنْ يَكونَ لِلرَّجُلِ على الرَّجُلِ الدَّيْنُ إلى أجَلٍ فيَضَعَ عنه الطَّالِبُ ويُعجِّلُه المَطلوبَ، وذلك عندَنا بمَنزِلةِ الذي يُؤخِّرُ دَيْنَه بعدَ مَحِلِّه عن غَريمِه، ويَزيدُه الغَريمُ في حَقِّه، قالَ: فهذا الرِّبا بعَينِه لا شَكَّ فيه، قالَ مالِكٌ في الرَّجُلِ يَكونُ له على الرَّجُلِ مِئةُ دِينارٍ إلى أجَلٍ، فإذا حَلَّتْ قالَ له الذي عليه الدَّيْنُ بِعْني سِلعةً يَكونُ ثَمَنُها مِئةَ دِينارٍ نَقدًا بمِئةٍ وخَمسينَ إلى أجَلٍ، هذا بَيعٌ لا يَصلُحُ، ولَم يَزَلْ أهلُ العِلمِ يَنهَوْنَ عنه، قالَ مالِكٌ: وإنَّما كُرِهَ ذلك لأنَّه إنَّما يُعطيه ثَمَنَ ما باعَه بعَينِه ويُؤخِّرُ عنه المِئةَ الأُولَى إلى الأجَلِ الذي ذُكِرَ له آخِرَ مَرَّةٍ، ويَزدادُ عليه خَمسينَ دِينارًا في تَأخيرِه عنه، فهذا مَكروهٌ،


(١) «التفسير الكبير» (٧/ ٧٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>