للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقصَد السَّببَ ولَم يَقصِدْ حُكمَه، ولا ما يُنافي حُكمَه، فترتَّب عليه أثَرُه.

فَإنْ قيلَ: هذا يُنتَقَضُ عليكم بلَغْوِ اليَمينِ فإنَّه لا يَترتَّبُ عليه حُكمُه.

قيلَ: اللَّاغي لَم يَقصِدِ السَّببَ، وإنَّما جَرى على لِسانِه مِنْ غيرِ قَصْدِه، فهو بمَنزِلةِ كَلامِ النَّائِمِ والمَغلوبِ على عَقلِه.

وَأيضًا الهَزلُ أمرٌ باطِنٌ، لا يُعرَفُ إلَّا مِنْ جِهةِ الهازِلِ فلا يُقبَلُ قَولُه في إبطالِ حَقِّ العاقِدِ الآخَرِ، ومَن فرَّق بينَ البَيعِ وبابِه والنِّكاحِ وبابِه قالَ: الحَديثُ والآثارُ تَدُلُّ على أنَّ مِنْ العُقودِ ما يَكونُ جِدُّه وهَزلُه سَواءً، ومِنها ما لا يَكونُ كذلك، وإلَّا لَقالَ: العُقودُ كُلُّها أو الكَلامُ كُلُّه جِدُّه وهَزلُه سَواءٌ، وأمَّا مِنْ جِهةِ المَعنَى فإنَّ النِّكاحَ والطَّلاقَ والرَّجعةَ والعِتقَ فيها حَقٌّ لِلَّهِ تَعالى، أمَّا العِتقُ فظاهِرٌ، وأمَّا الطَّلاقُ فإنَّه يُوجِبُ تَحريمَ البُضعِ، ولِهَذا تَجِبُ إقامةُ الشَّهادةِ فيه، وإنْ لَم تَطلُبْها الزَّوجةُ، وكذلك في النِّكاحِ، فإنَّه يُفيدُ حِلَّ ما كانَ حَرامًا، وحُرمةَ ما كانَ حَلالًا، وهو التَّحريمُ الثَّابِتُ بالمُصاهَرةِ، ولِهذا لا يُستَباحُ إلَّا بالمَهرِ، وإذا كانَ كذلك لَم يَكُنْ لِلعَبدِ مع تَعاطي السَّببِ المُوجِبِ لِهذه الأحكامِ ألَّا يُرتِّبَ عليها مُوجِباتِها، كما ليسَ له ذلك في كَلِماتِ الكُفرِ؛ إذا هَزَلَ بها، كما صرَّح به القُرآنُ، فإنَّ الكَلامَ المُتضمِّنَ لِحَقِّ اللَّهِ لا يُمكِنُ قَولُه مع رَفعِ ذلك الحَقِّ؛ إذْ ليسَ لِلعَبدِ أنْ يَهزِلَ مع رَبِّه وأنْ يَستَهزِئَ بآياتِه ولا يَتلاعَبَ بحُدودِه، وفي حَديثِ أبي موسى : «ما بالُ أقوامٍ يَلعَبونَ بحُدودِ اللَّهِ ويَستَهزِئونَ بآياتِه؟»، وذلك في الهازِلينَ، يَعني -واللَّهُ أعلَمُ- يَقولونَها لَعِبًا غيرَ مُلتزِمينَ لِأحكامِها، وحُكمُها لازِمٌ لَهم، وهذا بخِلافِ البَيعِ وبابِه؛ فإنَّه تَصرُّفٌ في

<<  <  ج: ص:  >  >>