للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَدَمُ إفادَتِه المِلْكَ بالقَبضِ فلِكَونِه أشبَهَ البَيعَ بالخيارِ لَهما، وليسَ كلُّ فاسِدٍ يُملَكُ بالقَبضِ، ولِذا قالَ في الأشباهِ: إذا قبَض المُشتَرِي المَبيعَ فاسِدًا مَلَكُه، إلَّا في مَسائِلَ: الأُولَى: لا يَملِكُه في بَيعِ الهازِلِ، كما في الأُصولِ (١).

القَولُ الثَّاني: أنَّه يَصحُّ بَيعُه، كَطَلاقِه ونِكاحِه وعَتاقِه، وهو المَذهبُ عندَ الشافِعيَّةِ وقَولُ أبي الخطَّابِ مِنْ الحَنابِلةِ.

قالَ ابنُ القيِّمِ : وأمَّا بَيعُ الهازِلِ وتَصرُّفاتُه الماليَّةُ فإنَّه لا يَصحُّ عندَ القاضي أبي يَعلَى وأكثَرِ أصحابِه، وهو قَولُ الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ.

وقالَ أبو الخطَّابِ في انتِصارِهِ: يَصحُّ بَيعُه، كَطَلاقِه، وخرَجها بَعضُ الشافِعيَّةِ على وَجهَيْنِ، ومَن قالَ بالصِّحَّةِ قاسَ سائِرَ التَّصرُّفاتِ على النِّكاحِ والطَّلاقِ والرَّجعةِ.

والفِقهُ فيه أنَّ الهازِلَ أتَى بالقَولِ غيرَ مُلتزِمٍ لِحُكمِه، وتَرتيبُ الأحكامِ على الأسبابِ لِلشارِعِ، لا لِلعاقِدِ، فإذا أتَى بالسَّببِ لزِمه حُكمُه، شاءَ أو أبَى؛ لأنَّ ذلك لا يَقِفُ على اختيارِه، وذلك أنَّ الهازِلَ قاصِدٌ لِلقَولِ، مُريدٌ له، مع عِلمِه بمَعناه ومُوجِبِه، وقَصدُ اللَّفظِ المُتضمِّنِ لِلمَعنَى قَصدٌ لِذلك المَعنَى؛ لِتَلازُمِهِما، إلَّا أنْ يُعارِضَه قَصدٌ آخَرُ، كالمُكرَهِ والمُخادِعِ المُحتالِ؛ فإنَّهما قَصَدا شَيئًا آخَرَ غيرَ مَعنَى القَولِ ومُوجِبِه، ألَا تَرَى أنَّ المُكرَهَ قصَد دَفْعَ العَذابِ عن نَفْسِه، ولَم يَقصِدِ السَّببَ ابتِداءً، والمُحلِّلَ قصَد إعادَتَها إلى المُطلَقِ وذلك مُنافٍ لِقَصدِه مُوجِبَ السَّببِ، وأمَّا الهازِلُ


(١) «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٣٧٧، ٣٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>