للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شِراءِ سِلعةٍ، أو على أنْ يُقِرَّ لِرَجُلٍ بألْفِ دِرهَمٍ، أو يُؤاجِرَ دارَه وأُكرِهَ على ذلك بالضَّربِ الشَّديدِ أو بالقَتلِ أو بالحَبسِ، فباعَ أو اشتَرَى فهو بالخِيارِ، إنْ شاءَ أمْضى البَيعَ، وإنْ شاءَ فسَخه ورجَع بالمَبيعِ؛ لأنَّ مِنْ شَرطِ هذه العُقودِ التَّراضي، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩].

ثُمَّ إذا باعَ مُكرَهًا وسلَّم مُكرَهًا ثبَت به المِلْكُ؛ لأنَّ رُكنَ البَيعِ صدَر مِنْ أهلِه مُضافًا إلى مَحَلِّه، وكانَ الفَسادُ لِفَقْدِ شَرطِه، وهو التَّراضي، فصارَ كَسائِرِ الشُّروطِ المُفسِدةِ، فيثبُتُ به المِلْكُ عندَ القَبضِ، حتى لو قبَضه وأعتَقَه أو تَصرَّفَ فيه تَصرُّفًا لا يُمكِنُ نَقضُه، كالتَّدبيرِ والِاستيلادِ، جازَ، ولزِمتْه القِيمةُ، وإنْ تَصرَّفَ فيه تَصرُّفًا يَلحَقُه الفَسخُ، كالبَيعِ والإجارةِ والكِتابةِ، ونَحوِها، فإنَّه يَنفسِخُ، ولَم يَنقطِعْ حَقُّ استِردادِ البائِعِ، وإنْ تَداولَتْه الأيدي، بخِلافِ سائِرِ البِياعاتِ الفاسِدةِ؛ فإنَّ تَصرُّفَ المُشتَرِي فيها لا يُفسَخُ؛ لأنَّ الفَسادَ فيها هُناكَ لَحِقَ الشَّرعَ، وقد تَعلَّقَ بالبَيعِ الثَّاني حَقُّ العَبدِ، وحَقُّه مُقدَّمٌ؛ لِحاجَتِه، أمَّا هُنا فالرَّدُّ لَحِقَ العَبدَ، وهُما سَواءٌ، فلا يَبطُلُ حَقُّ الأوَّلِ لِحَقِّ الثَّاني.

وَإنْ كانَ قبَض الثَّمنَ طَوعًا فقد أجازَ البَيعَ، وكذا إذا أسلَمَ المَبيعَ طائِعًا؛ لأنَّه دِلالةُ الإجازةِ.

وَإنْ كانَ قبَض الثَّمنِ مُكرَهًا فليسَ بإجازةٍ، وعليه رَدُّ الثَّمنِ إنْ كانَ قائِمًا في يَدِه، وإنْ كانَ هالِكًا لا يُؤخَذُ مِنه شَيءٌ؛ لأنَّ قَبْضَه لَم يَكُنْ لِلتَّملُّكِ؛ لِكَونِه مُكرَهًا، وكانَ بإذْنِ المالِكِ، فكانَ أمانةً؛ لأنَّه مُكرَهٌ على قَبضِه، فكانَ أمانةً، والأماناتُ لا تُضمَنُ إذا هَلكَتْ مِنْ غيرِ تَعَدٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>