للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ القُرطُبيُّ : وأمَّا بَيعُ المُكرَهِ والمَضغوطِ فلَه حالَتانِ؛ الأُولَى أنْ يَبيعَ مالَه في حَقٍّ وجَب عليه، فذلك ماضٍ سائِغٌ لا رُجوعَ فيه عندَ الفُقهاءِ؛ لأنَّه يَلزَمُه أداءُ الحَقِّ إلى رَبِّه مِنْ غيرِ المَبيعِ، فلمَّا لَم يَفعَلْ ذلك كانَ بَيعُه اختيارًا مِنه، فلزِمه، وأمَّا بَيعُ المُكرَهِ ظُلمًا أو قَهرًا فذلك بَيعٌ لا يَجوزُ عليه، وهو أوْلَى بمَتاعِه يَأخُذُه بلا ثَمَنٍ، ويَتبَعُ المُشتَرِي بالثَّمنِ ذلك الظَّالِمَ، فإنْ فاتَ المَتاعُ رجَع بثَمَنِه أو بقِيمَتِه بالأكثَرِ مِنْ ذلك على الظَّالِمِ إذا كانَ المُشتَرِي غيرَ عالِمٍ بظُلمِه، قالَ مُطَرِّفٌ: ومَن كانَ مِنْ المُشتَرينَ يَعلَمُ حالَ المُكرَهِ فإنَّه ضامِنٌ لِما ابتاعَ مِنْ رَقيقِه وعُروضِه، كالغاصِبِ، وكُلَّما أحدَثَ المُبتاعُ في ذلك مِنْ عِتقٍ أو تَدبيرٍ أو تَحبيسٍ فلا يَلزَمُ المُكرَهَ، ولَه أخْذُ مَتاعِه. قالَ سَحنونٌ: أجمَعَ أصحابُنا وأهلُ العِراقِ على أنَّ بَيعَ المُكرَهِ على الظُّلمِ والجَورِ لا يَجوزُ. وقالَ الأبهَرِيُّ: إنَّه إجماعٌ (١).

لَكنِ اختلَف الفُقهاءُ في بَيعِ المُكرَهِ بغيرِ حَقٍّ، هل هو شَرطُ صِحَّةٍ وتَخلُّفُه يُوجِبُ فَسادَ العَقدِ، كما هو قَولُ الحَنفيَّةِ، كما سَيَأتي، أو هو شَرطُ لُزومٍ وتَخلُّفُه يُوجِبُ جَعْلَ العَقدِ غيرَ لازِمٍ، كما عندَ المالِكيَّةِ على الخِلافِ عندَهم، أو هو شَرطُ انعِقادٍ، وتَخلُّفُه يُوجِبُ بُطلانَ العَقدِ، كما هو قَولُ الشافِعيَّةِ والحَنابِلةِ؟ أقوالٌ ثَلاثةٌ بَيانُها على التَّفصيلِ الآتي:

القَولُ الأوَّلُ لِلحنفيَّةِ: قالوا: وإذا أُكرِهَ الرَّجُلُ على بَيعِ مالِه، أو على


(١) «الجامع لأحكام القرآن» (١٠/ ١٨٤)، ويُنظر: «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٣٧٧)، و «التاج والإكليل» (٣/ ٢٧١، ٢٧٢)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٤/ ٩) «القوانين الفقهية» (١/ ١٦٣)، و «كفاية الآخيار» (٢٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>