وَإنْ باعَ بالإكراهِ وهلَك المَبيعُ في يَدِ المُشتَرِي وهو غيرُ مُكرَهٍ ضمِن قِيمَتَه لِلبائِعِ؛ لأنَّه بَيعٌ فاسِدٌ، والمَقبوضَ فيه مَضمونٌ بالقِيمةِ، وإنْ كانَ قائِمًا رَدَّه عليه.
وَلِلمُكرَهِ أنْ يُضمِّنَ المُكرِهَ إنْ شاءَ، فإنْ ضَمَّنَ المُكرِهَ كانَ له أنْ يَرجِعَ على المُشتَرِي بما ضمِن، وهو القِيمةُ، وإنْ شاءَ ضَمَّنَ المُشتَريَ، وهو لا يَرجِعُ على المُكرَهِ (١).
القَولُ الثَّاني لِلمالِكيَّةِ: قالوا: الإكراهُ الذي يَمنَعُ نَفاذَ البَيعِ هو الإكراهُ بغيرِ حَقٍّ، وهو يَنقسِمُ إلى قِسمَيْنِ:
الأوَّلُ: إكراهٌ على نَفْسِ البَيعِ، وذلك كَأنْ يُكرِهَه ظالِمٌ على بَيعِ كلِّ مِلْكِه أو بَعضِه. وحُكمُ هذا النَّوعِ أنَّه بَيعٌ غيرُ لازِمٍ؛ فلِلبائِعِ أنْ يَرُدَّ ما باعَه مَتَى أمكَنَه، وعليه أنْ يَرُدَّ الثَّمنَ الذي أخَذه، ما لَم يَكُنْ قد تلِف مِنه بدُونِ أنْ يُفرِّطَ في حِفظِه، فإذا أقامَ البَيِّنةَ على أنَّه تلِف مِنه على هذا الوَجهِ فإنَّه لا يُلزَمُ برَدِّه، بَلْ يَسترِدُّ سِلعَتَه بدُونِ أنْ يَرُدَّ ثَمَنَها.
والثَّاني: إكراهٌ على شَيءٍ يُجبِرُه على البَيعِ، كَأنْ يُكرِهَه ذلك الظَّالِمُ على أنْ يُعطيَه مالًا غيرَ قادِرٍ عليه، فيُضطَرَّ لِبَيعِ مِلْكِه لِيَحصُلَ له ذلك المالُ، فهو لَم يُكرِهْه على البَيعِ نَفْسِه، وإنَّما أكرَهَه على سَبَبِ البَيعِ. وهذا النَّوعُ -وهو
(١) «البدائع» (١٠/ ١٢٦، ١٢٧)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٢٤٠، ٢٤٢)، و «خلاصة الدلائل» (٤/ ٢١٩، ٢٢٠)، و «الهداية» (٩/ ٢٣٤، ٢٣٦)، و «حاشية ابن عابدين» (٦/ ٣٧٧).