للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك كانَ بَيعُه اختيارًا مِنه، فلزِمه. وذلك لِما رَواه البُخاريُّ في «صَحيحِه»: بابٌ في بَيعِ المُكرَهِ، ونَحوِه، في الحَقِّ وغيرِه، وفيه قالَ أبو هُريرةَ : بينَما نحن في المَسجِدِ؛ إذْ خرَج علينا رَسولُ اللَّهِ فقالَ: «انطَلِقوا إلى يَهودَ»، فخَرَجْنا مَعَه حتى جِئْنا بَيتَ المِدراسِ، فناداهمُ النَّبيُّ ، فقالَ: «يا مَعشَرَ يَهودَ، أسلِموا تَسْلَموا»، فقالوا: قد بَلَّغتَ يا أبا القاسِمِ، فقالَ: «ذلك أُريدُ»، قالَها ثلاثًا، ثم قالَ: «اعلَموا أنَّ الأرضَ لِلَّه ورَسولِه، وإنِّي أُريدُ أنْ أُجليَكم، فمَن وجَد مِنكم بمالِه شَيئًا فليَبِعْه، وإلَّا فاعلَموا أنَّما الأرضُ لِلَّه ولرَسولِه» (١).

قالَ ابنُ بطَّالٍ : قالَ المُهلَّبُ: أمَّا ما باعَه المَضغوطُ في حَقٍّ وجَب عليه؛ فذلك ماضٍ سائِغٌ لا رُجوعَ فيه عندَ الفُقهاءِ؛ لأنَّه يَلزَمُه أداءُ الحَقِّ إلى صاحِبِه مِنْ غيرِ المَبيعِ، فلمَّا لَم يَفعَلْ كانَ بَيعُه اختيارًا مِنه، فلزِمه.

وَوَجهُ الِاستِدلالِ على هذه المَسألةِ مِنْ هذا الحَديثِ هو أنَّ إخراجَ النَّبيِّ اليَهودَ حَقٌّ؛ لأنَّه إنَّما فعَل ذلك بوَحيٍ مِنْ اللَّه ، فأباحَ لَهم بَيعَ أموالِهم، فكانَ بَيعُهم جائِزًا؛ لأنَّه لَم يَقَعِ الإكراهُ على البَيعِ مِنْ أجلِ أعيانِ الشَّيءِ المَبيعِ، وإنَّما وقَع مِنْ أجْلِ الذي لزِمهم في الخُروجِ، فكذلك كانَ بَيعُ مَنْ وجَب عليه حَقٌّ جائِزًا (٢).

وأمَّا إنْ كانَ بغيرِ حَقٍّ، بأنْ بِيعَ عليه ظُلمًا أو قَهرًا فذلك بَيعٌ لا يَجوزُ، وهو باطِلٌ باتِّفاقِ الفُقهاءِ؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا


(١) «صحيح البخاري» (٦٥٤٥).
(٢) «شرح صحيح البخاري» لابن بطال (٨/ ٢٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>