شائِعًا، ولَو كانَ ذلك شَرطًا لَوجَبَ نَقلُه، ولَم يُتصَوَّرْ مِنهم إهمالُه والغَفلةُ عن نَقلِه، ولأنَّ البَيعَ ممَّا تَعُمُّ به البَلوَى، فلوِ اشتُرِطَ له الإيجابُ والقَبولُ لَبيَّنه بَيانًا عامًّا، ولَم يَخْفَ حُكمُه؛ لأنَّه يُفضي إلى وُقوعِ العُقودِ الفاسِدةِ كَثيرًا، وأكلِهمُ المالَ الباطِلَ، ولَم يُنقَلْ ذلك عن النَّبيِّ ﷺ، ولا أحَدٍ مِنْ أصحابِه فيما عَلِمْناه، ولأنَّ النَّاسَ يَتَبايَعونَ في أسواقِهم بالمُعاطاةِ في كلِّ عَصرٍ، ولَم يُنقَلْ إنكارُه، فكانَ ذلك إجماعًا.
وَفي أكثَرِ الأخبارِ لَم يُنقَلْ إيجابٌ ولا قَبولٌ، وليسَ إلَّا المُعاطاةُ والتَّفرُّقُ عن تَراضٍ يَدلُّ على صِحَّتِه، ولو كانَ الإيجابُ والقَبولُ شَرطَيْنِ في هذه العُقودِ لَشَقَّ ذلك، ولَكانَتْ عُقودُ المُسلِمينَ فاسِدةً، وأكثَرُ أموالِهم مُحرَّمةً، ولأنَّ الإيجابَ والقَبولَ إنَّما يُرادانِ لِلدِّلالةِ على التَّراضي، فإذا وُجدَ ما يَدلُّ عليه مِنْ المُساوَمةِ والتَّعاطي قامَ مَقامَهما وأجزَأ عَنهُما؛ لعَدمِ التَّعبُّدِ فيه.
قالَ الإمامُ النَّوويُّ ﵀: وقالَ مالِكٌ: يَنعقِدُ بكُلِّ ما يَعُدُّه النَّاسُ بَيعًا، واستَحسَنَه ابنُ الصَّبَّاغِ.
قُلتُ: هذا الذي استَحسَنَه ابنُ الصَّبَّاغِ هو الرَّاجِحُ دَليلًا، وهو المُختارُ؛ لأنَّه لَم يَصحَّ في الشَّرعِ اشتِراطُ لَفظٍ، فوجَب الرُّجوعُ إلى العُرفِ، كغيرِه مِنْ الألفاظِ، ومِمَّنِ اختارَه المُتَوَلِّي والبَغَويُّ وغيرُهما، واللَّهُ أعلَمُ (١).
(١) «روضة الطالبين» (٣/ ٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute