وقدِ اختلَف الفُقهاءُ في صِحَّةِ البَيعِ بالمُعاطاةِ، هل يَصحُّ أو لا؟ على ثَلاثةِ أقوالٍ:
القَولُ الأوَّلُ: أنَّه يَصحُّ البَيعُ بالمُعاطاةِ مُطلَقًا، وهو قَولُ جُمهورِ العُلماءِ الحَنفيَّةِ والمالِكيَّةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ وبَعضِ الشافِعيَّةِ كالنَّوويِّ وابنِ الصَّبَّاغِ والبَغَويِّ والمُتَوَلِّي، وسَواءٌ كانَ المَبيعُ خَسيسًا -وهو ما تَكونُ قِيمَتُه دونَ نِصابِ السَّرِقةِ- أو نَفيسًا -وهو ما تَكونُ قِيمَتُه مثلَ نِصابِها، أو أكثَرَ-؛ لأنَّ اللَّهَ تَعالى أحَلَّ البَيعَ ولَم يَثبُتْ في الشَّرعِ لَفظٌ له، فوجَب الرُّجوعُ إلى العُرفِ، فكلُّ ما عَدَّه النَّاسُ بَيعًا كانَ بَيعًا، كما رجَع إليه في القَبضِ والحِرزِ وإحياءِ المَواتِ وغيرِ ذلك مِنْ الألفاظِ المُطلَقةِ، فإنَّها كُلَّها تُحمَلُ على العُرفِ، ولَفظةُ البَيعِ مَشهورةٌ، وقد اشتُهِرَتِ الأحاديثُ بالبَيعِ عن النَّبيِّ ﷺ وأصحابِه ﵃ في زَمَنِه وبعدَه، ولَم يَثبُتْ في شَيءٍ مِنها مع كَثرَتِها اشتِراطُ الإيجابِ والقَبولِ، والمُسلِمونَ في أسواقِهم وبِياعاتِهم على ذلك، ولأنَّ البَيعَ كانَ مَوجودًا بينَهم، مَعلومًا عندَهم، وإنَّما علَّق الشَّرعُ عليه أحكامًا وأبقاه على ما كانَ، فلا يَجوزُ تَغييرُه بالرَّأْيِ والتَّحكُّمِ، ولَم يُنقَلْ عن النَّبيِّ ﷺ ولا عن أصحابِه ﵃ مع كَثرةِ وُقوعِ البَيعِ بينَهمُ استِعمالُ الإيجابِ والقَبولِ، ولَوِ استَعمَلوا ذلك في بِياعاتِهم لَنُقِلَ نَقلًا