فرَضيَ المُشتَرِي بذلك، فإنَّ البَيعَ لا يَلزَمُ البائِعَ إذا رجَع، وقالَ: إنَّني لَم أُرِدِ البَيعَ، وإنَّما أرَدتُ المُساوَمةَ أوِ المِزاحَ، ولكنْ عليه اليَمينُ، وإذا رجَع بعدَ رِضا المُشتَرِي فإذا حلَف فذاكَ، وإلَّا يَلزَمْه البَيعُ، وإذا قامَتْ قَرينةٌ على أنَّه يَقصِدُ البَيعَ فإنَّه يَلزَمُه، ولو حلَف.
وَذلك كَأنْ يَقولَ له المُشتَرِي: يا فُلانُ، بِعْني سِلعَتَكَ بعَشَرةٍ، فيَقولَ: لا. فيَقولَ بأحدَ عشَرَ، فيَقولَ: لا. ثم يَقولَ البائِعُ: أبيعُها باثنَيْ عشَرَ. فيَقولَ المُشتَرِي: قَبِلتُ. فإنَّ البَيعَ يَلزَمُ في هذه الحالةِ، وليسَ له حَقُّ الرُّجوعِ، ولا يَنفَعُه اليَمينُ؛ لأنَّ تَردُّدَ الكَلامِ بينَهُما قَرينةٌ على عَدَمِ المِزاحِ واللَّعِبِ، وكذا لَو قالَ المُشتَرِي: أشتَرِي هذه السِّلعةَ بكَذا، فرَضيَ البائِعُ، ثم رجَع المُشتَرِي، فإنَّ له حَقَّ الرُّجوعِ، وعليه اليَمينُ ما لَم تَقُمْ قَرينةٌ على أنَّه جادٌّ في شِرائِه، فإنَّه يَلزَمُه الشِّراءُ، والحاصِلُ أنَّ البادِئَ بالمُضارِعِ سَواءٌ أكانَ بائِعًا أم مُشتَريًا، فإنَّه لا يَلزَمُه البَيعُ، ولَه حَقُّ الرُّجوعِ، وعليه اليَمينُ إنْ رجَع بعدَ رِضا الآخَرِ، أمَّا إذا رجَع قبلَ رِضاه فإنَّ له ذلك الحَقَّ، ولا يَمينَ عليه، ومَحَلُّ ذلك كُلِّه ما لَم تَقُمْ قَرينةٌ على البَيعِ والشِّراءِ أو عَدَمِهما، وإلَّا عُمِلَ بها.
وَإذا قالَ شَخصٌ لِآخَرَ: بكَمْ تَبيعُ هذه السِّلعةَ؟ فقالَ لَه: بعَشَرةٍ، فقالَ السَّائِلُ: أخَذتُها بذلك، فأبَى البائِعُ أنْ يَبيعَها، وقالَ: إنَّني أُريدُ أنْ أعرِفَ قِيمَتَها، أو أُريدَ المِزاحَ، فالمُعتمَدُ في ذلك أنْ يُرجَعَ إلى القَرائِنِ، فإنْ قامَتْ قَرينةٌ بأنْ حصَل تَماكُسٌ وتَردُّدٌ في الكَلامِ، كما ذُكِرَ في الصُّورةِ المُتقدِّمةِ، فإنَّ البائِعَ يُلزَمُ بالبَيعِ، وإنْ قامَتْ قَرينةٌ على عَدَمِه فإنَّه لا يَلزَمُه، ولا يَمينَ