للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخِيارِ ما لَم يَتفَرَّقا» (١)؛ لأنَّه مُخيَّرٌ غيرُ مُجبَرٍ، يَختارُ أيَّهما شاءَ، وهذا الخِيارُ يُسَمَّى خِيارَ القَبولِ.

وَيَمتَدُّ حَقُّه في القَبولِ أوِ الرَّدِّ إلى آخِرَ المَجلِسِ لِلحاجةِ إلى التَّفكُّرِ والتَّروِّي، والمَجلِسُ جامِعٌ لِلمُتفرِّقاتِ، ويَبطُلُ بما يَبطُلُ به خِيارُ المُخيَّرِ؛ لأنَّه يَدلُّ على الإعراضِ، ولِلمُوجِبِ الرُّجوعُ لعَدمِ إبطالِ حَقِّ الغيرِ، وليسَ لِلمُشتَرِي أنْ يَقبَلَ بَعضَ المَبيعِ، ولا أنْ يَقبَلَ المُشتَرِي بَعضَ الثَّمنِ، لعَدمِ رِضا الآخَرِ بتَفريقِ الصَّفقةِ؛ لأنَّ فيه ضَرَرًا بالبائِعِ، فإنَّ مِنْ عادةِ التُّجَّارِ ضَمَّ الرَّديءِ إلى الجَيِّدِ في البَيعِ؛ لِتَرويجِ الرَّديءِ، فلَو صَحَّ التَّفريقُ يَزولُ الجَيِّدُ عن مِلْكِه فيَبقَى الرَّديءُ، فيَتضرَّرُ بذلك، وكذلك المُشتَرِي يَرغَبُ في الجَميعِ، فإذا فرَّق البائِعُ الصَّفقةَ عليه يَتضرَّرُ، إلَّا إذا بيَّن المُوجِبُ ثَمَنَ كلِّ واحِدٍ ممَّا قبلَ الآخَرُ وما ترَك؛ لأنَّه صَفَقاتٌ مَعنًى، فيَصحُّ؛ لأنَّ ذلك دَليلٌ على رِضاه بالتَّفريقِ؛ لأنَّ الإيجابَ حينَئذٍ في مَعنَى إيجاباتٍ مُتعدِّدةٍ.

وَإذا قامَ أحَدُ المُتعاقدَيْنِ مِنْ المَجلِسِ بعدَ الإيجابِ وقبلَ القَبولَ، بطَل الإيجابُ؛ لأنَّ القيامَ يَدلُّ على الإعراضِ والرُّجوعِ وعَدَمِ الرِّضا، فيَبطُلُ العَقدَ به، كَسائِرِ عُقودِ المُبادَلةِ (٢).


(١) رواه البخاري (٢٠٧٩)، ومسلم (١٥٣٢).
(٢) يُنظر: «بدائع الصنائع» (٦/ ٥٣٠، ٥٣١)، و «اللباب شرح الكتاب» (١/ ٣٤٧)، و «خلاصة الدلائل وتنقيح المسائل» في شرح القدوري (٢/ ٢٥، ٢٦)، و «المعتمد الضروري» (٢٥٦)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٦، ١٠)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٤٠)، و «الاختيار» (٢/ ٤)، و «رد المحتار» (٦/ ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>