قال الإمامُ ابنُ رُشدٍ ﵀: أمَّا المَسألةُ الرابِعةُ وهي عَددُ ما يُجزئُ من الضَّحايا عن المُضحِّين فإنَّهم اختَلفُوا في ذلك، فقال مالكٌ: يَجوزُ أنْ يَذبحَ الرَّجلُ الكَبشَ أو البَقرةَ أو البَدنةَ مُضحِّيًا عن نَفسِه وعن أهلِ بَيتِه الذين تَلزمُه نَفقتُهم بالشَّرعِ، وكذلك عندَه الهَدايا، وأجاز الشافِعيُّ وأبو حَنيفةَ وجَماعةٌ أنْ يَنحرَ الرَّجلُ البَدنةَ عن سَبعةٍ، وكذلك البَقرةَ مُضحِّيًا أو مُهدِيًا.
وأجمَعوا على أنَّ الكَبشَ لا يُجزئُ إلا عن واحدٍ إلا ما رَواه مالكٌ من أنَّه يُجزئُ أنْ يَذبحَه الرَّجلُ عن نَفسِه وعن أهلِ بَيتِه لا على جِهةِ الشَّركةِ، بل إذا اشتَراه مُفرَدًا، وذلك لِما رُوي عن عائشةَ أنَّها قالت:«كنا بمنًى فدُخِل علينا بلَحمِ بَقرٍ، فقُلنا: ما هو؟ فقالوا: ضحَّى رَسولُ اللهِ ﷺ عن أزواجه»، وخالَفه في ذلك أبو حَنيفةَ والثَّوريُّ على وَجهِ الكَراهةِ لا على وَجهِ عَدمِ الإجزاءِ.
وسَببُ اختِلافِهم: مُعارَضةُ الأصلِ في ذلك لِلقياسِ المَبنيِّ على الأثَرِ الوارِدِ في الهَدايا، وذلك أنَّ الأصلَ هو ألَّا يُجزئَ إلا واحِدٌ عن واحدٍ، ولذلك اتَّفَقوا على منَعِ الاشتِراكِ في الضَّأنِ، وإنَّما قُلنا: إنَّ الأصلَ هو ألَّا يُجزئَ إلا واحِدٌ عن واحدٍ؛ لأنَّ الأمرَ بالتَّضحيةِ لا يَتبعضُ؛ إذ كان مَنْ كان له شِركٌ في ضَحيَّةٍ ليس يَنطلقُ عليه اسمُ مُضحٍّ إلا إنْ قامَ الدَّليلُ الشَّرعيُّ على ذلك.