ثم إنَّ جُمهورَ الأصحابِ في طَريقتَيِ العِراقِ وخُراسانَ أطلَقوا جَوازَ الاستِنابةِ للمَريضِ سَواءٌ كان مَأيوسًا من بُرئه أو لا، وقال إمامُ الحَرمَين والرافِعيُّ وغيرُه من مُتابِعي الإمامِ: إنَّما تَجوزُ النِّيابةُ لِعاجزٍ بعِلةٍ لا يُرجَى زَوالُها قبلَ خُروجِ وقتِ الرَّميِ.
قالوا: ولا يَضرُّ رَجاءُ الزَّوالِ بعدَ فَواتِ الوقتِ، وهذا الذي قاله الإمامُ ومُتابِعوه مُتعيَّنٌ، وإطلاقُ الأصحابِ مَحمولٌ عليه، ولا يَمنعُ من هذا قولُهم فلو زال العَجزُ في أيامِ الرَّميِ لزِمه رَميُ ما بقِي؛ لأنَّه قد لا يُرجَى زَوالُه في أيامِ الرَّميِ، ثم يَزولُ نادِرًا، واللهُ أعلمُ.
ثم قال: لو أُغميَ على المُحرِمِ قبلَ الرَّميِ ولم يَكنْ أذِن في الرَّميِ عنه لم يَصحَّ الرَّميُ عنه في إغمائه بلا خِلافٍ، وإنْ كان أذِن فيه جازَ الرَّميُ عنه، هذا هو المَذهبُ، وبه قطَع الجَماهيرُ في الطَّريقَتينِ.
ونقَل الرافِعيُّ فيه وَجهًا شاذًّا ضَعيفًا أنَّه لا يَجوزُ.
وحَكى إمامُ الحَرمَين الجَوازَ عن العِراقيِّينَ، فقال: قال العِراقيُّونَ: لو استَنابَ العاجزُ عن الرَّميِ وصحَّحنا الاستِنابةَ فأُغمِي على المُستَنيبِ دامَتِ النِّيابةُ، وإنْ كان مُقتَضى الإغماءِ الطارِئ على إذنِ انقِطاعِ إذْنِه إذا كان أصلُ الإذْنِ جائزًا للوَكالةِ، ولكنَّ الغرضَ هُنا إقامةُ النائبِ مَقامَ العاجزِ، قال: وما ذكَروه مُحتمَلٌ جِدًّا ولا يَمتنِعُ خِلافُه. قال: وقد قالوا: لو استَنابَ المَعضوبُ في حَياتِه من يحُجُّ عنه ثم ماتَ المَعضوبُ لم تَنقطِعْ الاستِنابةُ.