للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفسِه أنَّها لا تَنقلِبُ عن غيرِه؛ لأنَّ بَقاءَ فَرضٍ عليه لا يَمنعُه أنْ يَفعلَ ما ليس بفَرضٍ من جِنسِه، أصلُه الصَّومُ والصَّلاةُ.

وأجابوا عن حَديثِ ابنِ عَباسٍ الآتي ذِكرُه، وفيه: «هَلْ حَجَجْتَ عن نَفسِك؟»، بأنَّه مُضطرِبٌ في وَقفِه عن ابنِ عَباسٍ ورَفعِه، ولو سلِم الحَديثُ فحاصِلُه أنَّ الأمرَ بالحَجِّ عن نَفسِه للنَّدبِ، لِإطلاقِه في حَديثِ الخَثعميَّةِ وغيرِه بقولِه : «حُجِّي عن أبيكِ»، من غيرِ استِخبارِها عن حَجِّها لنَفسِها قبلَ ذلك، وتَركُ الاستِفصالِ في وقائعِ الأحوالِ يَنزلُ مَنزِلةَ عُمومِ الخِطابِ، فيُفيدُ جَوازَه عن الغيرِ مُطلقًا. وحَديثُ شُبرُمةَ -الآتي ذِكرُه- يُفيدُ استِحبابَ تَقديمِ حَجِّ نَفسِه، وبذلك يَحصلُ الجَمعُ، ويثبُتُ أولَويَّةُ تَقديمِ الفَرضِ على النَّفلِ مع جوازِه (١).

وذهَب الشافِعيةُ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ من نوى الحَجَّ عن غيرِه ولم يَكنْ حجَّ عن نَفسِه يَقعُ عن نَفسِه، لِما رَوى ابنُ عَباسٍ : «أنَّ رَسولَ اللهِ سمِع رَجلًا يَقولُ: لبَّيكَ عن شُبرُمةَ، فقال رَسولُ اللهِ : مَنْ شُبرُمةُ؟ قال: أخٌ لي أو قَريبٌ لي، قال: هل حَجَجتَ قَطُّ؟ قال: لا. قال: فاجعَلْ هذه عن نَفسِك، ثم حُجَّ عن شُبرُمةَ» (٢)، وهو حَديثٌ


(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٩٤، ٩٥)، و «المبسوط» للسرخسي (٤/ ١٥١)، و «شرح فتح القدير» (٣/ ١٥٩)، و «تبيين الحقائق» (٢/ ٨٨)، و «الاستذكار» (٤/ ١٦٩)، و «الذخيرة» (٣/ ١٩٧)، و «الإشراف على مسائل الخلاف» ص (٢١٧)، و «الإفصاح» (١/ ٤٥٣، ٤٥٤)، و «المغني» (٤/ ٣٤٥)، و «الكافي» (١/ ٣٨٧).
(٢) حَديثٌ صَحيحٌ: رواه أبو داود (١٨١١)، وابن ماجه (٢٩٠٣)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٤/ ٣٤٥)، وابن حبان في «صحيحه» (٩/ ٢٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>